الأربعاء، فبراير 17، 2021

(( مقطع من رواية أسطورة سنجابى الخيالية)) للكاتبة والصحفية تركية لوصيف /الجزائر



مقطع من رواية أسطورة سنجابى الخيالية
الكاتبة والصحفية تركية لوصيف /الجزائر
الرحلة إلى فلسطين
مرت الشهور بينما كان جدى يستعيد لياقته وشراسته فى القتال ، كان ابن الحاكم يأمر حراسه بقتل الجنود الأسرى ،دون دفن جثثهم وتركها تتعفن فى المكان حتى عمّته القوارض القذرة وانتشر الوباء ، كنا نشمئز من وجودها ولكن حدث ما لم يكن فى الحسبان..
وهو وجود جرذ ضخم فى غرفة (بشامروكا) تسلل إلى فراشه وعضه فصرخ من شدة الألم ، أنرت المكان فوجدت الحيوان القذر يفر هاربا فقلت : كان جرذا بلا شك ..
ارتفعت حرارة صديقى المسكين وشعر بالغثيان وبعدم الإنتظام فى ضربات القلب ،وبدأ جسمه يميل إلى السواد ، هرعت إلى طبيب القلعة فشخّص حالته فى تلك الليلة وقال :أنه مرض السناجب يشبه الطاعون القاتل ، ولعلاجه وجب عليك عزله عن القلعة إلى مكان بعيد ، وإحضار أكثر من ستين نوعا من الثوم ، قلت : من أين أحضر ما طلبيت ؟
قال : عليك الرحيل إلى فلسطين .
طلبت المساعدة لعزل صديقى عن القلعة حتى لا ينتشر الوباء ، فوافق ابن الحاكم وأمر بملازمة الطبيب له ،حتى أعود بأنواع الثوم .صديقى العصفور الأبيض حضر فى الحال بعد سماع الزقزقة ..قمت بإطعامه من لبّ الجوزة فتحول إلى طائرعملاق ، امتطيت ظهره وتشبثت بعنقه ،وطار بعيد .بعيدا ...
وأخيرا رأيت قرية الفلاحين ومثلث مرج بن عامر الأخضر ، فهو سهل كبير جدا وخصب ، وتزامن قدومى مع تكوين الندى لمائة يوم فى هذه الصائفة ، فينتشر الفلاحون ويعملون بجد وفرح.
حط بى عصفورى على مرتفع (نابلس) لنرتاح قليلا وأمتّع ناظرى بجمال الطبيعة الفلسطينية ، ثم توجهت إليهم واقتربت من أحد الفلاحين وكان شيخا عربيا ، نظر إلي فابتسمت ، وقلت : أريد أنواع الثوم لعلاج صديقى من وباء الطاعون ، قال : محظوظ صديقك لأنك أتيت فى الوقت المحدد قبل انتهاء أيام الندى .رأيته يأمر فلاحا آخر بجلب ماطلبت
وسألت : كيف هى فلاحتكم ؟
قال : خصوبة المرج تغدق علينا الخير الوفير ، فتجارتنا تكون دوما مربحة .
قلت : المرج أعرفه فى زمنى باسم (مرج بن عامر)
قال الشيخ : بل اسمه (سهل زرعين ) نسبة إلى قرية كنعانية ، والقرى التى ترينها عربية منها قرية (أكسال)و(دبورية)و رؤوس المرج ه( حيفا وجنين وطبريا )..
أقمت بينهم فأكرمونى ، فودعونى وطرت مجددا وأنا أستمتع بزرقة نهر الأردن ، وعدت بعد ثلاث ليال طوال ، هرعت أتفقد بشامروكا أن بقى حيا ، وجدته يتصبب عرقا وقد تمكّن منه السواد والطبيب يضرب أخماسا فى أسداس ، فقلت : هاك الثوم وباشر العلاج.
أمرنى بالإنتظار خارجا ،ففعلت ،ولكن دموعى تمكّنت منى وسالت رغما عنى ،رغم تظاهرى بالشجاعة ،تذكرت مبارزته لى أول مرة ،وكيف أهدانى قلمه ،ولحظة تفجير باب القلعة ، كانت الصور تتساقط أمام عيني ..ذكرياتنا كانت جميلة جدا فابتسمت بين الدموع ..
بضع ساعات فقط ووجدت الطبيب يربت على كتفى ،ويقول : صبرا يا (توتو صبرا ..فصديقك قوى وسيتماثل للشفاء فى ظرف شهر على الأكثر ، وسنعود للقلعة .
مرت الأيام وكنت أطهو لسنجابى أشهى المأكولات حتى يسترد عافيته ،وأجلب له مختلف المكسرات والفواكه والعسل ،والطبيب المثابر يشرف على علاجه ،وأخبرنى أن بالثوم مواد مضادة تقتل البكتيريا ، لأجل هدا فهو مفيد ومنصوح به فى الغذاء .
سررت عندما جاء الطبيب فى تلك الليلة المقمرة ،وأخبرنى أن (بشامروكا) يطلب رؤيتى وقد تحسن حاله، هرعت إليه فنظر إلي بصعوبة وقال : كيف وجدت فلسطين ؟
قلت : إنها أرض طيبة .
قال الطبيب :صديقتك نابها نصيب كبير من الدموع لأجلك .
ابتسم (بشامروكا) وقال وهو يمسك بيدى : أنا على يقين من ذلك، فقاطعه الطبيب قائلا :علينا الرحيل حالا والعودة إلى القلعة ، سأطلب من الحرس نقلنا وأنت يا (توتو)اجمعى الأغراض ، ففعلت ..وكانت وجهتناقلعة ابن الحاكم الواقعة فى قمة الجبل الشاهق.
نفس المسلك والوجهة كانت عندما غادرنا الغابة فى زمنى ونفس الشلال .تلك الليلة الأخيرة التى قضيناها فى البلاط، لم يغمض لنا فيها جفن ،قلت : أنا جدخائفة على جدك إن هزمه ابن الحاكم ÷ فهو شاب قوى ، فيرديه قتيلا ، فبعدها سنواجهه دون تردد، وإن يحدث هذا فستبقى أنت فى هذا الزمن ، بينما أنا لن أعدم الوسيلة للعودة إلى الديار
قال : لن أبقى ، بل سنعود معا ياصديقتى .
عاد بشامروكا للتواصل مع جده بالمسح على الخاتم ، فكان يبيت فى محل الإسكافى قال: إنه سعيد جدا وينتظر انقضاء الساعات القلائل حتى يبارز ابن الشيطانة ويقضى عليه .
كان بشامروكا يتوسل ويقول : عليك أن تظفر ياجدى فلا رغبة لى بالبقاء بعدها بينكم ، أريد فقط أخذ صندوق الذهب والرحيل لإتمام دراستى .
صمت الجد برهة ، ثم وافق على طلبه عن طيب خاطر .السحب حجبت أشعة الشمس فى تلك الصبيحة ، الكآبة تخيم على المكان ، تجمهر العوام فى الساحة ، وحضر ابن الحاكم الزائف على ظهر فرس ،وخلفه جنوده الذين يوفرون له الحماية ،كان ينظر إلينا ثم صاح فى الناس: أنا اليوم بينكم أناشد الخلود وسأبقى الحاكم الأبدى
هتف العوام : عاش الحاكم ، عاش الحاكم .
جدى تأخر فى الظهور حتى خيّل على الحاكم أنها خدعة ، فطوقنا جنوده ، وأخيرا ظهر جدى .
صحت بين الناس : إن الحاكم يناشد الخلود ، وقد جئنا من بلاد إفريقيا حيث لا يموت بها حاكم ، ولكى يتحقق له هذا ، عليه مبارزة هذا الرجل العجوز فحسب ..
هتف العوام :الخلود للحاكم ، الخلود للحاكم .
سرّ ابن الحاكم الزائف بما قلته ،أخرج سيفه البتار من الغمد بسرعة ،وكذا فعل جدى الذى كان يغطى وجهه بوشاح لا تظهر منه إلا عيناه الحادتان .بدأت المنازلة بين الطرفين وكان ابن الحاكم الزائف يظهر مهاراته فى استعمال السيف ويوزع الإبتسامات بغرور .احتدم الصراع بينهما وشعر ابن الحاكم الزائف بقوة جدى وخفته ،قال: من أين لك بهذه القوة وأنت عجوز ؟
ربما فى الأمر خدعة .توقف الخصم ونادى فى الحراس : قيدوه .تدخلت وقلت لجدى :أزح الوشاح عن وجهك ،حتى يرى العوام أنك فعلا شيخ هرم .ففعل بكل أريحية ، نادى جدى ابن الحاكم ووصفه بالجبان فنال من ثقته وغروره ، فكان ابن الحاكم يلوح بسيفه بعشوائية بينما جدى يتحكم فى إدارة النزال لصالحه فى كل الجولات، وأخيرا فقد ابن الحاكم الزائف السيف من يده ،فرمى جدى أيضا سيفه ،وواصلا عراكا دمويا قاتلا أسفر عن هلاك ابن الحاكم الزائف وسط ذهول العوام .صاح جدى بين الناس وقال : انا الحاكم الفعلى ،وهذا حفيدى بشامروكا وهذه صديقته توتو ،فلنكرمهما ولنوفر لهما أسباب الراحة والسعادة بيننا
هتف العوام :عاش الملك ، عاش الملك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجلة وجدانيات الأدبية (( الوداع )) بقلم الكاتب دمال الدين خنفري /الجزائر

قصة قصيرة جدا الوداع اقتربت منه انسلت روحها إلى وجدانه، ارتبكت فرائصه، أزالت ستائر حيائه بشفاه معتقة بحمرة التخدير، انساق وراء نزواته، عرته ...