الفصل الأول
********* نسمة *********
شق السكون الجاثم على أرجاء البيت صوتا مدويا غاضبا تتسلل منه كل أحقاد السنين . واخترق سمع نسمة التي كانت بنشوة الحديث مع أيمن على الجوال كأنه رصاصة تخترق هدفها فتلاشى طيفه وماتت أعذب موسيقى سمعتها أذناها . استوت على حافة سريرها وأرهفت السمع علها تعرف سبب ثورة أخيها ( عبدو ) الأحمق الذي يغضب ويثور لأتفه الأسباب .
تناهى إليها صوت أخيها غاضبا :
ــ نسمة أيتها الملعونة الفاجرة أين أنت ؟ تعالي إلى هنا .
ــ يا ويلي كل هذه الثورة وهذا الغضب من أجلي ؟
انهمرت من عينيها الواسعتين السودوين دمعات حين سمعت اسمها ، وعقدت الحيرة والخوف لسانها وشلت حركتها وسلبته إرادتها تجلس على حافة سريرها كأنها تمثال مرمري لاشيء ينبؤ عن إنسانيتها سوى دمعات تغادر المقلتين الساحرتين الواسعتين كاتساع السماء وصفائها لتلامس الوجنتين بدفء وحنان .
وعاد الصوت من جديد مزمجرا راعدا :
ــــ نسماااااااااااااااااااه قلت تعالي إلى هنا .
صاعقة اخترقت جسمها البض الفارع الطول الممشوق كالنخلة ، وتيار ملتهب اخترق أعصابها حتى شلها . بدأت ترتجف كشجرة هزتها رياح عاصفة .
ــ لا بد أن شيء ما قد تناهى لسمع أخيها ( عبدو ) أو ربما علم بالحديث بيني وبين أم صديقه الذي خطبني حتى أثار تلك العاصفة الهوجاء وهو الأهوج الأحمق وكما يقول المثل ( من غير طبل بيرقص ) فكيف وقد قرع الطبل ونفخ بالزمر ياويلتي ربي يستر .
جالت بعينيها يمنة ويسرى فلم تجد سوى شقيقتها الصغرى وهي متجمدة الأوصال ترتجف خوفا وفزعا فالتجأت إليها . شدتها لتضعها أمامها ساترا تحتمي به علَّ غضبه يهمد ونار ثورته تخمد .
ــ نسمااااااااااااااااااااااااااااااااه .
عاد الصوت يزمجر بقوة أشد هز كيانها وجفف الدماء في شرايينها ، وكان هناك بابا لغرفتها قبل أن يركله شقيقها برجله وبوحشية ليتحطم ، وصوت تدافع وشبه عراك بين الأم وابنها لدخول الغرفة ، تمكنت الأم من الدخول قبله ورمت بنفسها فوق (نسمة ) فغطتها بجسدها لتحميها ، فشكل جسمها وجسم شقيقتها غطاء لها فلم يعد يظهر من جسمها سوى ضغيرتها الطويلة التي هربت من ثقل الصراخ والثورة الذكورية تنشد الحرية بتحد وصلابة وقوة حب قد انغمست فيه الروح حتى النخاع وغدى الدم المغذي للشرايين التي تضخ الحياة في أرجاء هذه المعمورة التي هي الجسد .
بعينين يتطاير منهما شرر نيران غضب ثور هائج وقعت على طرف الضفيرة إنقض عليها وأمسك بها وبدأ يجذبها بقوة وقسوة وهو يصرخ :
ــ يا فاجرة وصل الأمر أن ترفضين من أعطيته موافقتي على الزواج منك وبكل وقاحة وفجور تقولين لأمه أنك تريدين ابن عمك وأنك تحبينه .. تحبين ( يا طي.... حبك برص أنا دبيحك وليييييييييييييييييك )
وركل بقوة أخته الصغرى فتدحرجت بعيدا عن ( نسمة ) وصوت عويلها وتشنجها يعلو ، وأبعد أمه بدفعها بقسوة عن جسد نسمة . أمسك بشعرها ورفعها وانهال عليها ضربا ولكما وركلا وهي تصرخ وتستغيث .
والأم تصرخ وتدفع ( عبدو ) عن ابنتها وهو متشبث بشعرها فعضته من يده حتى ترك شعر ابنتها وهو يرغي ويزبد .علا صوت الأم :
ــ ابتعد ياعبدو عن إختك يكفي الله يرضى عليك وكل ما تريد سوف يتم ولن تخالف لك أمرا . وحين لم تفلح في ابعاد ابنها صرخت :
ــــ والله اغضب عليك ان لم تتركها يكفيها هذا انظر إلى الدماء قد غطت وجهها ولك ياظالم شوهت وجهها حرام عليك ألا تخاف الله وأجهشت ببكاء وعويل ولطم على وجهها وشد لشعرها .
وقف عبدو وهو يلهث وبدأ يمسح الدماء عن يديه من عضة أمه ومن الدماء التي سالت على يديه من وجه نسمة .
ــ اسمعي وليك إبن طي.... ابن عمك الطنط أيمن انسيه ( يروح يدور على حرمة مثله . هاد إنسان نسونجي منظرة متل الحرمة لاشارب ولا شي يوحد الله به )وأنت ياأمي ليكن بعلمك وبلغي هذا لأبي وهو السبب في هذا الفجور الذي وصلت إليه ابنتك ( الخانم ) فهو يدللها وغصبا عني أتمت دراستها الجامعية ( لكااااااا يوم ) بحجة الجامعة كنت بتلتقي به .
وتابع حديثه وهو ينفخ صدره ويمسح على شاربيه الكثين الطويلين المعكوفين للأعلى :
ـــــ ( يوووووووووووم ) اقسم برب العزة أقسم برب العزة اقسم برب العزة لن تتزوج نسمة من أيمن مادام في صدري قلب ينبض وعليّ الطلاق سوف أذبحك من الوريد للوريد إن خرجتي عن طوعي هذه المرة
واليوم سوف انهي هذه المشكلة مع أبيك فابن عمك عبد الرحمن ( محمد ) يريدك وسوف اطلب منه أن يحضر هو وعمي الليلة لطلبك وإن كنت (مراااااااااااااااااااااا ترفضي ياخانم قال جامعية قال ) .
وخرج من الغرفة وهو يلعن البنات وخلفة البنات وصفق باب الدار خلفه وذهب
خرج عبدو من البيت ينفث غضبا ، وأشعل لفافة تبغ ، وأخذ يعصرها بين شفتيه ، وبأسنانه ، وكأنه يصب ما بقلبه من غل ،حتى سمع صوت صطكيك أسنانه .
ـ آآآآآآآآآآآآآخ يا زمن ، امرأة وتريد ن تفرض رأيها ، تخسسسسسسسس عليك يا زمن ، (لبسوا بنطلونات ظنوا نفسن رجال ) لكن السبب هو والدي ، الذي دللهن ، وسايرهن ، ووافقهن على إتمام تعليمهن الدراسة. أي كيف الحل ؟ ولمعت في رأسه فكرة كان يعارضها كثيرا حث خطاه نحو متجره وحين وصل أسرع للهاتف وطلب رقما وأنتظر وهو يتململ في مقعده شاعرا وكأن الزمن قد أناخ عليه بثقله ، استفاق من شروده على صوت :
ــــ ألو هلا أبو صفوان كيف خطرنا على بالكم ؟
ــ السلام عليك أبو عبدو . اسمع جيدا وافهم
لقد سبق وطلبت الزواج من إحدى أخواتي صح ؟؟
انتشى محمد بشكل كبير كديك رومي وشعر بقلبه يتراقص في صدره فرحا ، استجمع قواه وكتم فرحته .
ـ أي ابن العم يشرفني وبنات عمي تاجا على راسي وكما يقول المثل : (جحا أولى بلحم تورو ) .
ـ جميل ابن العم ، إذا اسمع اليوم وليس غدا تأتي أنت وعمي عبد الرحمن ومن تريد وتطلب يد نسمة سمعت ما قلت أبو عبدو .
عقدت الدهشة والمفاجأة لسانه وكأنه بحلم ... نسمة ؟ ! .. الله (إجت ) على طبق من ذهب يا حموده ..نسمة التي تتكبر عليك ؟ ! نسمة الجامعية !! الله والله ضحكلك الزمن ياحموده واستفاق على صوت عبدو يكرر عليه ما قاله طالبا الحضور اليوم وإلا لا نصيب له عندهم .
ـ على راسي يا ابن العم ، اليوم في التاسعة إن شاء الله نكون عندكم ، والآن سوف اذهب إلى أبي ونرتب الأمور .
ـ سلام ابن العم نلتقي مساء عند أبي .
وأغلق الهاتف وبدا يبرم شاربيه وابتسامة شيطانية تعلو ثغره لنرى يا نسمة خانم ماذا ستفعلين أنت وأيمن اكره البشر على قلبيكما سيكون زوجك ولن يعارض أبي فهو ابن أخيه .