الاثنين، مايو 29، 2023

مجلة وجدانيات الأدبية قصة قصيرة بعنوان (( غدر الزمان )) .......الكاتب عبد الستار عمورة

 قصّة قصيرة

غدر الزّمان
تكالبت عليّ الأيّام فزادت همومي و انبسطت أوجاعي بسرابيلها على جسمي الفاني..نفرت
دموعي و انهمرت على مقلتيّ كمنحدر زلق و أنا ألتهم حروف الرّسالة الّتي مرّ عليها
وقت طويل.كنت قد احتفظت بها بين دفّات كتاب "ديوان حافظ إبراهيم":
-أنا لا أحبّ الشّعر كثيرا خاصّة العمودي،بل أكتب منه الحرّ فهو يحرّرني من بعض المجهودات؛هي مجرّد خربشات تعوّدت عليها لا أكثر..! همست و نفسي..
لقد خذلني مصباح غرفتي البائسة،تلاشى كاهلي،طفقت أطلبها في مجرّ الخزانة و جارور المكتب قبل أن ينطفئ عود الثّقاب الّذي اقترب احتراقه من سبّابتي.
لحظتها طربت مسامعي نقرات المطر على القرميد المتهالك..صوته بعث في نفسي راحة، سرعان ما تحوّلت إلى أوجاع كامنة انفجرت لتوّها.
لسعني هواء يناير البارد و قد تسلّل من فتحات النّافذة و الباب الموارب؛مندفعا من أعالي جبال "جرجرة" الشّامخة..اهتزّ عندها
لهب الشّمعة و تمايل ذات اليمين و ذات الشّمال..أسرعت إلى كومة الأوراق المكدّسة و المتروكة منذ أمد بعيد،وضعتها في بطن
المدفأة مع قطع خشب البلّوط و الزّان.
باشرت ألسنة النّار تتراقص و اختلط صوتها و فرقعة الحطب مع هزيم الرّعد و دويّ المطر لجلجلة كأنٌها مقاطع موسيقيّة خالدة.
مددت يدي إلى سطح المكتب،أخذت نظّارتي الطّبيّة المبتورة الذّراع و المضمّدة لذراعها الآخر بشريط لاصق؛كم كنت مضطربا و أنا أقرأ هذه الرّسالة و الّتي استحالت أوراقها إلى الّلون الأصفر،زكمت رائحتها أنفي رغم انسداده قليلا لرشح أصابني جرّاء سهري خارج البيت.
انتابني ألم في مفاصلي مع رجفة شاملة و عرق بارد من فرط إعادة كلماتها:"أغدا ألقاك..أنت ياجنّة حبّي و اشتياقي و جنوني..أنت يا قبلة روحي و انطلاقي و شجوني..أغدا تشرق أضواؤك في ليل عيوني.."
تململت نياط قلبي،دوار لازمني حدّ التّهوّع،أفرغت ما بداخلي،حبوت إلى فراشي..استلقيت على ظهري..أغمضت عينيّ.. طفقت روحي سابحة مع أفكار الصّبا و عنفوان شّبابي، فوق بحيرة ناصعة.
باشرت في احتضان ندف الثّلج المختبئة تحت أجنحة البجعات الفتيّة؛لأطفئ سعيرا ما انفكّ يلهب ضرام فؤادي المتوهّج لخيانة عظمى:
-"أنا ماكتبت هذه الرّسالة..!لقد طرّزت حروفها زميلتي في الصّف مع أغاني كوكب الشّرق،هي من قرأت رسالتك و ردّت عليها باسمي..!؟
غصّة كادت أن تقضي على أنفاسي من هول ما سمعت:
-وهل كنت راضية بهذا؟!
مطّت شفتيها حانقة:
-يعني،نحن نتسلّى و فقط..!
زاد ألمي أكثر فأردفت قائلا و أنا أتلعثم،محاولا أن أدفع اختناقا استبدّ بي:
-لا أظنّ أنّ قلوب البشر بالونات تلهو بهنّ مشاعركنّ و تقذف بهنّ هنا و هناك كأوراق الخريف،تلهو بهنّ يد الهواء دون مبالاة..!؟
كانت لحظتئذ تلوك علكة بين شدقيها حينما لقيتها أمام ثانوية البنات،لم تكترث وقتها لا للمكتوب و لا للومي على ما بدا منها،بل أطلقت ضحكة استهزاء و سخرية و بنفخة تأفّف أبعدت خصلة من شعرها و الّتي تمرّدت هي الأخرى و حجبت رؤيتها وجبينها المقطّب، فبدت في غاية القبح و الدّمامة.
غادرت المكان مسرعة دون اكتراث و دون وداع..! بقيت لبعض من الوقت مشدوها ممّا سمعت و رأيت؛قطع شرودي صوت عصفور
القرقف الرّشيق متنقّلا و ملقطا لحشرات تطفّلت على أوراق شجرة"الرّهج"كما يحلو للجميع تسميتها.
الأستاذ الأديب:عبد الستار عمورة.
24/05/2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجلة وجدانيات الأدبية (( الوداع )) بقلم الكاتب دمال الدين خنفري /الجزائر

قصة قصيرة جدا الوداع اقتربت منه انسلت روحها إلى وجدانه، ارتبكت فرائصه، أزالت ستائر حيائه بشفاه معتقة بحمرة التخدير، انساق وراء نزواته، عرته ...