قصة قصيرة
مصنع البؤساء
عبد الصاحب إ أميري
***
البصرة عام 1970للميلاد
أعتاد الكاتب المسرحيّ البصريّ الشّاب(صالح) أن يقضيّ كلّ ليلة ساعات في نادي الفنون، يناقش مع زملائة أصول اللّعبة المسرحيّة، كأيّ عاشق يزاول حرفته، يغلق النّادي أبوابه بعد أن ينتصف اللّيل،
والعشق لم يرتو، يلجأ(صالح) لينهال منه وزميله، (حميد وبنيان) لمقهى الرّصيف،( الواقعة مقابل ساعة سورين ، مدخل سوق المغايز بالعشار) ليكون للحوار من متّسع
عرفت المقهى بهذا الاسم، أنتخبه الكُتّاب مكانا للحوار والنّقاش،
رحب بهم صاحب المقهى (فالح) الرّجل الخمسيني، رافعاََ يديه، يحي زبائنه
-اللّه بالخير، هله بالشّباب
-اللّه بالخير
نطق صالح
-اللّه بالخير
-عيني فالح، تلاث جاليات تفتح الدّماغ،
ردّ عليه فالح بحركة اعتاد عليها ليعلن عن ترحيبه ثانيّة، رمى (أستكان) عاليّا والتقطها على الصّحن، دون حادث
الحوارعند العشّاق،
لم يعرف الإستراحة
قال بنيان جازماََ
-نجاح فيكتور هيجو برواية البؤساء، تعود لشخصيّة جان فالجان تمثّل شخصا عان من الحرمان، خُلق ليكون الشمعة الّتي تذوب في سبيل أن يحظى غيرها بالنّور قام باقتراف عدد كبير من الأخطاء سابقا كسرقة رغيف خبز احتاجه لكيّ يؤمّن القوت لعائلته، تم سجنه بسبب هذا الرّغيف خمس
سنوات،
مدّهم فالح (بالشّاي) ، يتبعه الصّانع( بالماء المثلّج) والإبتسامة لا تفارق شفتيه
-هله بيكم ومرحبه، هذا الجاي العراقي الأسود (الثقيل)
جاي فالح، معروف بكلّ العشار
ما أن أخذوا رشفة من الشّاي، إذ أقبل البائع المتجوّل(وحيد) بصينيّة الحلوى، بعد رحلة شاقة باع منها كميّة من الحلوى، لينزع عن نفسه التّعب، ويأخذ استكاناََ من شاي فالح، جالس بالقرب منهم دون أن ينبس بكلمة واحدة، إلاّ أنّ نظراته لا تفارق (صالح) يتفحّصه من فوق إلى تحت
صورة البائع المتجوّل، وجان فالجان تخترق رأس صالح، ويقدّمان استعراضا دون أن ينبسا بكلمة واحدة، هو يشهد هذا الاستعراض بذهول
فيجد نفسه وجها لوجه مع البائع المتجوّل جالساََ على ركبتيه قبالة صالح، يخرج من جيبة قصاصة من أوراق صحيفة
خذ مسرحيتك واذهب للجحيم ماذا فعلت للمسكين (ابو الكروكي)
لا شيء
سوى شهرة حققتها لنفسك، أنتم الكتاب لا نفع فيكم سوى بالتّشهير بالبوساء، إنّه لا زال يعيش بؤسه
هو لا زال يصرخ، وأنت جالس لتصطاد شخصية أخرى
هو لازال هو
اسمع
أبوالکوکي الدودة الذّليلة الحقیرة لها منزل .. الکلب الهائج في الشارع له منزل ... الفأر المزعج له منزل . الفیل الضّخم له منزل ....
والقطّ یتمتع مع القطّة في المنزل ...
وأنا أتقلّب في فراشي وحیداً بدون زوجة .. بدون منزل أيّها السيّد الذي یتحدثون عنه کثیراً وفي كلّ مکان (صارخاً وكأنّه یرید الضّغط علی رقبة الرّجل )
يصرخ صالح لا ارادياََ
-اتركني وشأني، ماذا تريد منّي، ارفع يديك
أنا عني فإنّي لا أحتاج إلى امثالك ، ولن أقع في مصيدتك بعد اليوم لن أخاف من أحد سجنت عشر سنوات لأنّي تحدثت عن الحريّة في مادة التّاريخ، و الحديث كان عن الثّورة الفرنسيّة،، آثار سياطهم بعد كلّ هذه السّنوات لا زلت على ظهري
بحركة استعراضيّة يكشف عن ظهرة ويقف على الرّصيف يخطب
أنا وحيد أبي، سماني وحيدا، لأنّه كان يعرف ماذا يصيبني، سجنت وبعد سنوات سجني ، زوجتي كانت قد توفيت ولا ادري ماذا حلّ
بولدي وأصدروا امراَ بفصلي لأنّي تحدثت عن الحريّة في عهد الثّورة الفرنسيّة
وجعلوا منّي بائسا
****
غرق صالح في نوم عميق على الأريكة ، وكتاب البؤساء كان غطاءََ له، ومن حوله انتشرت الأوراق والقصاصات، تدلّ على أنّ لدية مشروع كتابة قصّة قصيرة
مصنع البؤساء
نقرأ هذه العبارة على عدّة أوراق،
في مكتبه المتواضع مكتبة تحتل القسم الأكبر. من المكتب، وعدد من الأرائك
طرق شديد على الشّباك، يستيقظ فزعاََ، ينظر إلى ساعة الحائط،. السّاعة الثّالثة بعد منتصف اللّيل، يسرع إلى الشّباك بإحتياط
-ماذا تريد في هذه السّاعة من اللّيل
-أفتح، أتيت لمساعدة البوساء
-من تكون
-جان فالجان شخصية فيكتور هيجو
-ممكن
-كلّ شيء في عالم الأدب ممكن
يتفحص صالح جان فالجان وهو لا يصدق عينيه،
- أن صدقت حضورك وأنه ليس حلماََ تصرفاتك ستجعلني أجنّ
كيف نفذت...؟
كيف أتيت ...؟
هذه الرّواية كتبت 1862،مضى عليها قرن ونصف ،
-الحقّ معك انا روح جان فالجان
حملت على عاتقي، هدم مصانع البؤس، لا شكّ أنّك تعرف قصّتي والعالم يعرفها سجنت خمس سنوات لا من أجل تكديس ثروة بل من أجل مجاعة سرقت رغيفا من الخبز، واصبحت بائساََ دون نقاش
اذا أردت أن تكتب عن البؤساء
هدّم مصانعهم
عبد الصاحب إ أميري
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق