
########
في زمنِ التهدئَة وحوسَية الذات والكربلة والتمائم والخرزة الزرقاء وخضاب اليدين ومواقد النار اللزابي وضفائر الشيج البري المعطر ، نمتحن التراب فنلقاه خضابا ونلعق الزمن فنحسه زفافا في قمراء تغويك بالسهر وترقيك بمفاتن القمر . صعلكةٌ بين الفرح والترح ونحن البارّون المطيعون الحفاةَ العراة ، المتائكلون بالشتاء المورِوقون بالربيع ، كنّا ندرك كنه هذا البيات الشتوي المرّ المغلف بريح الجنوب عندما ينشط في أجسامنا على وتيرة تفقدك الحس بقدميك ، القادم من حوامل الكثبان وسعال السفوح فلا نمرض ، لأننا بكل بساطة مرقيون بنواميس الأمهات ...
ذاك زمنٌ أمّيٌ بحتٌ لم يتعلم في جامعة ربوية تنبش مخ عظامك عن قطرة دم ، ولا يتفنن في تدنيسك حتى تخلط الماءْ باللين ، ولم يرفضك ويختزلك شبحا في بطاقة مصرفية مبتذلة تصادر قيمتك وتوجهك وتقلقك وتنام على أكفِّ راحتيك ، ولا فواتيرَ مسخ تكبح غرورك وقد عدت أنفاسك وحاسبتك على الزيادة في الشخير ، ولا اقمار صناعية تتجسس على صفائحك الدموية وأنزيمات قلبك ، ولا ولا ...
نحن وحدانيون بالطبع ، نؤمن بوحدانية الله ووحدانية القمر ووحدانية الأرض ووحدانية الحرية ، وكل خليطٍ ينشقُّ عن الوحدانية الوجودية دخيلٌ على بُنيتنا الفكرية والمعنوية حتى يكاد يهزُّ فينا القيم والتسليم بهزات ارتدادية تشقُّ نسيجَ المجتمع ودوائرة الإنتخابية ، وان كان فينا من لا يستقيم كالعصي الا بالتسخين فذاك شأنٌ آخر ...
لا أظنُّ أنني أمكيجَ الزمنَ الغابر وأنعتُه بالفضول ، ولكنني أستغرب القمرَ الآن والحقلَ والزرعَ والدوريَّ والحصاد ، واستغربُ العبث بعدادات العمر المتكئ على فوهة النسيان ، والهروبِ نحو لملمة قطيعٍ يحرسه المرعى حول أكمام الدفلى والهشيمِ والزعتر البرّي ، وحول أصداءِ الناي وهو يرتلُ في البرّية أجملَ سمفونيات العمر فيملأُ شعاب قلبك ، حتى تكون البداوةُ في طبعكَ أنقى من قسمات غدير رملي ، وأعذبَ من طقوس العصافير الصادحة حوله ...
أصطحبُك معي في رحلة الفقد والرعد والأفولِ وتيجان القرنفل حينما يكون روائي من يباس الحلق والريق ، وانا أواريك خرائبي وسنا على وسن ، وعشقا تاه في الشغاف حتى حسبته الغرق ، والتنكر فيك تنكر جحود كتنكر إبريق ابي لوضوءه بعد غياب ..
ها انا إبحث في ذاتي عن فناء الدار وأعشاش الطيور ، عن المحتزمين جلود الطهارة ، عن قشعريرة الزيتون وانكماش براعم القمح بين الأصابع النرجسة المغلفة بكل قطرات الدم ، عن تشرين وأيلول وايار ، وعن السقاء والرواء ونكهة الخبز البلدي وحاكورة القثّاء ، وعن الجرار وبساط القش والعريش ...
بما أرثيك أيها العابرُ من كِنانتي كسهمِ صيد ، وأنا إمتدادك وبعض روابيك ، وأنا داحس وأنت الغبراء ، وأنا العجاج الذي زفته الحوافر فاستقر في حفائري ، وأنا الوشم الذي لامس فيك التحور ، حتى اختلست منك الثغاء ...
أنا السائحُ الذي يجهلُ معالم ازقتك ، وهي من كانت تشكل فيَّ حدودَ معارجك ، وصهوة حصانك وأزير الطير فوق عتبات قلبي ، فما اشتهيت شقاء فيك إلا لمسته أشهى النعم ، وأجود ما يجود المرء ، أن يتبرع بحاضره لماضيه ...!!
############# $@leh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق