كــشــف الــمــكــشوف
تساؤلات كثيرة تراودني وأقول : كيف يُمكن للإنسان العاقل والمُدرك أن يقول عن اللون الأسود أنه أبيض ، أو أن يلمس الشوك ويدُمي يده ويقول أن هذا وردٌ ؟!! وهل يمكن للغيوم أن تبقى مُتلبدة لتُغطي زُرقة السماء إلى أمدٍ طويل ؟!! وهنا أقول كما يقول المثل الشعبي ( أن الشمس لا تُغطى بغربال ) فلا بد لمن يتحسس الشوك ويدمي يده منه ، أن لا يعيد الكرة للتعامل مع هذا الشوك ، والغيوم لن تدوم طويلاً وهي متلبدة تُغطي السماء ، فلا بُد أن تنقشع لتظهر زرقة السماء بصفائها ، وتظهر حقيقة ما تراه العين ، ومن لا يستطيع أن يميز بين الأبيض والأسود هو من يكون مُصاباً بعمى الألوان ، ولكن من لا يرى الأشياء على حقيقتها يكون فاقداً للبصر والبصيرة ، ومن يتغاضى عن الحقيقة والتستر على الواقع الذي أمامه يكون واقعاً تحت تأثير عاملين هما إما خوفٌ ينتابه ممن يتعامل معه ، أو من أجل مصلحة تخصه حتى لو كانت تضر بغيره حتى لو كان أقرب الناس إليه .
إنَّ ما دفعني لكتابة هذا المقال هو المؤتمر الصحفي الذي عُقد في تل أبيب بين وزير الخارجية الأمريكية توني بلينكن ورئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو ، وكذلك توجه الدول الأوروبية كلها لدعم إسرائيل ، وذلك على إثر الهزيمة النكراء لجيش الإحتلال الإسرائيلي واقتحام مستوطنات غلاف غزة في معركة طوفان الأقصى ، فمعركة طوفان الأقصى التي بدأت في 7 تشرين أول من هذا العام 2023م والتي لا تزال مستعرة ضد الإحتلال الصهيوني وقد عرَّت هذا الكيان الهش ، وأذاقتهم الويل ، وأظهرت حقيقة جيشه الذي لا يُقهر ، وقد سيطر أبطال المقاومة الفلسطينية بأقل من ثلاث ساعات على فرقة غزة التي يقعُ على عاتقها القتل والتدمير والإغتيالات في غزة على مدى عدة سنوات فكانوا أوهى من بيت العنكبوت إنفضت خيوطهم وتبعثرت ، وأمام صمود الأبطال إاستغاثت إسرائيل بربيتها أمريكا ودول أوروبا الذين هم صنعوها وأعانوا على قيام هذا الكيان المختلق ، فهبت كل دول الغرب وعلى رأسهم أمريكا راعية الإرهاب واتحدوا من أجل نُصرة إبنتهم المُدللة ، مقدمين لها الدعم المفتوح ، وبالمقابل نرى صمت الأنظمة العربية المُطبق أمام كل ذلك ، وكأن الأمر لا يعنيهم .
وبناءاً على ذلك فقد توجه وزير الخارجي الأمريكي – توني بلينكن إلى إسرائيل لتقديم دعمه المطلق لإسرائيل ، وقد عقد مؤتمراً صحفياً هو ورئيس كيان الإحتلال بنيامين نتنياهو ، وأعلن نتنياهو عن النية للقيام بهجوم بري ، وطرح الأكاذيب والمزاعم عن قيام رجال المقاومة بذبح الأطفال وقطع رؤوسهم وحرقهم واغتصاب النساء ، وقد تبنى هذه الرواية الكاذبة الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمة له للشعب الأمريكي ، ثم يتراجع البيت الأبيض ويشكك في ذلك ويدحضه ، فكيف لرئيس دولة أن ينقل أخبار كاذبة قبل ويعلنها على الملأ ، ولكنهكا وجهان لعملةٍ واحدة ، وهذا ليس غريباً على من سرق وطنك وتاريخك وتراثك ونسبه لنفسه ويختلق الروايات ، فهم كيان مختلق ، ويختلقون الأكاذيب ، ولهذا فقد عقدوا النية للقضاء على حركة حماس بشن هجوم بري على غزة ، بل هم نيتهم للقضاء على غزة بأكملها وقتل أبنائها وتهجيرهم منها ، ولن تتحقق مآربهم بإذن الله ، لأن الله مع المؤمنين الصابرين قال تعالى في سورة البقرة – الآيات [155-157 ] : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ(155)الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(156)أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } فهؤلاء هم أبناء غزة هم أهل الإهتداء ، وأهل الصلوات، وأهل الرحمة ، جعله لأهل الصبر ، وستبقى غزة الشوكة التي تقضُّ مضاجعهم ، وهؤلاء الأسود الذين بايعوا الله وابتغوا إحدى الحسنين إما النصر وإما الشهادة ، فلن ترهبهم عُدتهم وعتادهم ولا كثرتهم ، فالغلبة بإذن الله لقوم مؤمنين ، قال تعالى في سورة البقرة – الآية 249 : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }
لقد استوقفتني في المؤتمر الصحفي كلمة وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن إذ قال موجهاً كلامه لبنيامين نتنياهو ، ويجب على كلِّ عربيٍّ ومسلم أن يقف عندها وينظر لها جلياً وليعرف أن الإنحياز واضحاً وضوح الشمس لكل ذي بصرٍ وبصيرة وعقلٍ حصيف يُمحص الأمور ويضعها في مكانها الصحيح ، يقول بلنكن : ( إنني اتكلم ليس بصفتي وزير خارجية أمريكا بل بصفتي يهودي ) وسرد قصة فرار جده من المذابح في روسيا وكيف نجا زوج والدته من معسكرات الإعتقال النازية ، وقال "أتفهم على المستوى الشخصي الوقع المروع للمجازر التي ارتكبتها حماس بحق اليهود ، بل على اليهود في كل مكان" ، وقال أيضاً موجهاً كلامه لنتنياهو : "قد تكون لديك القوة الكافية بمفردك للدفاع عن نفسك. لكن ما دامت أمريكا موجودة ، فلن تضطر إلى ذلك مطلقا ، سنكون دائما بجانبك"
وهذا بلنكن ينظر إلى ما حصل من عين يهوديته فقط مما نقله إليه نتنياهو من أكاذيب عن ارتكاب حماس لجرائم قتل وحرق وذبح للأطفال وقطع رؤوسهم ، واختلاق القصص والأكاذيب هي بالنسبة لهم شيء عادي لأن كيانهم قام على الأكاذيب وتزوير التاريخ .
إننا كأمة عربية وإسلامية لو عُدنا لتاريخ صراعنا مع العدو منذ احتلال بريطانيا وتفكك الدولة العثمانية وتقاسم دول الإستعمار للوطن العربي وزرع هذا الكيان في جسد الأمة ، وأن هذا الكيان دولة ما يُسمى إسرائيل إبنتهم المدللة ، سنجد أن الصورة واحدة لم تتغير وما قاله بلنكن هو عين الحقيقة التي تغمض أنظمتنا أعينها عنها فمواقف الغرب وعلى رأسها أمريكا مواقف عدائية لهذه الأمة منذ البداية ، وقد قالها بايدن في إحدى خطاباته قبل أن يكون رئيساً لأمريكا بأنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجد غيرها ، وقال أيضاً أنا لست يهودياً ولكني صهيوني ، فماذا نريد أكثر من هذا الوضوح ؟!!! .
إن قيام هذا الكيان لم يكن له أن يستمر لولا دعم ورعاية دول الإستعمار الغربية ، وقد كان إنشاؤه لهدفين : أولهما التخلص من اليهود الذين كانوا يعيثون فساداً وتدميراً في أوروبا ، وثانياً من أجل أن تبقى هذه الدولة خنجراً في جسد هذه الأمة ، وكان اختيارهم لفلسطين لموقعها الإستراتيجي المتوسط الذي يربط القارات الثلاث – آسيا وأوروبا وإفريقيا مع بعضهم البعض ، فكان لا بد من اختلاق هذا الكيان ، وكان تسلسل مخططات الإستيلاء على فلسطين كما يلي :
أولاً : المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا بتاريخ 29 آب عام 1897م ، الذي أسفر عن برنامج بازل وكان من نتائجه إقامة المنظمة الصهيونة العالمية بقيادة ثيودور هرتزل وذلك من أجل تنفيذ البرنامج الصهيوني والذي ينص على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام .
ثانياً : مؤتمر كامبل بنرمان : عُقد هذا المؤتمر في لندن عام 1905م بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين ، واستمرت جلساته حتى عام 1907م ، وكانت الدول المشاركة فيه هي الدول الإستعمارية : بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا ، وإسبانيا وإيطاليا ، وكان من قراراته وثيقة سرية تنص على تدمير الأمة العربية خاصة والإسلامية عامة ، وإسقاط النهضة وعدم إستقرار المنطقة ، وضرورة العمل على إبقاء المنطقة العربية متأخرة ، وعلى إحداث التفكُك والتجزئة والإنقسام ، وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتهم ، وفصل الجزء الإفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي ، وضرورة إقامة الدولة العازلة لتكون عدوةً لشعوب المنطقة ، وصديقة للدول الأوروبية ، وهكذا كان اختلاق الكيان الإسرائيلي لفصل الجزء الإفريقي عن الجزء الآسيوي لهذه المنطقة ، وبهذا يتحقق لهم إبقاء الأمة العربية في حالة ضعف إقتصادياً وسياسياً وثقافياً .
ثالثاً : إتفاقية سايكس بيكو عام 1916م ، وهي معاهدة سرية بين فرنسا وبريطانيا وبمباركة الإمبراطورية الروسية وإيطاليا لاقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا ، وتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت مسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى .
رابعاً : إعلان وعد بلفور في 2 تشرين الثاني عام 1917م الذي أصدره وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور لإعلان دعم وتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وكانت رسالته موجهة إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز وجوه المجتمع اليهودي البريطاني وذلك لنقلها إلى الإتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا
خامساً : معاهدة سان ريمو عام 1920م التي تم فيها تقسيم سوريا الكبرى إلى أربعة أقسام : سوريا ولبنان ، والأردن وفلسطين ، حيث تم وضع سوريا ولبنان تحت الإنتداب الفرنسي ، والأردن وفلسطين بالإضافة للعراق تحت الإنتداب البريطاني ، مع الإلتزام بتنفيذ وعد بلفور وإقامة دولة إسرائيل .
سادساً : ما بين عام 1922م وحتى عام 1947م أصبحت جميع الأراضي التي كانت تابعة للدولة العثمانية تحت إدارة المملكة المتحدة ، ثم في النهاية جميعها أعلنت إستقلالها باستثناء فلسطين ، التي في هذه الفترة تم توسيع حملة الهجرة الواسعة النطاق من أوروبا إلى فلسطين من أجل تنفيذ وعد بلفور وإنشاء وطن قومي لليهود .
سابعاً : في عام 1947م أقرت الأمم المتحدة في قرارها رقم (181 أ ) تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين - واحدة عربية وأخرى يهودية – وتدويل القدس ، وفي عام 1948م حصلت الحرب العربية الإسرائيلية التي أدت إلى هزيمة الدول العربية المشاركة في الحرب ، وقيام دولة إسرائيل على ( 77% ) من أراضي فلسطين ، والجزء الأكبر من القدس ، وتم تشريد أكثر من نصف سكان فلسطين .
ثامناً : في عام 1967م تم احتلال باقي فلسطين وأسفرت عن هجرة ما يزيد عن نصف مليون فلسطيني .
تاسعاً : في 6 حزيران عام 1982م غزت إسرائيل لبنان ، مُعلنة عن نيتها للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية ، وقد استمرت الحرب ما يقارب إثنين وثمانون يوماً ، بعدها إنسحبت قوات منظمة التحرير إلى الدول العربية المجاورة بعد أخذ تعهدات بعدم المساس بأبناء المخيمات الفلسطينية ، وبعد انسحابهم حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا بتاريخ 16 أيلول عام 1982م من قِبل قوات الكتائب اللبنانية وجيش أنطوان لحد(جيش لبنان الجنوبي) وبمعاونة الجيش الإسرائيلي .
عاشراً : في عام 1987م حدثت الإنتفاضة الفلسطينة الأولى ( إنتفاضة الحجارة ) يعود سبب الشرارة الأولى للإنتفاضة لقيام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز( إيريز ) الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية منذ سنة 1948م وقد عمت كل مدن وقرى ومخيمات فلسطين وبقيت الإنتفاضة حتى عام 1991م ، وتوقفت نهائياً بعد توقيع إتفاقية أوسلوا بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993م .
حادي عشر : في 15 كانون ثاني عام 1988 تم إعلان قيام دولة فلسطين في الجزائر .
ثاني عشر : في عام 1991م عقد مؤتمر مدريد للسلام ، وقد عُقد في مدريد في إسبانا برعاية أمريكا والإتحاد السوفياتي سابقاً لإقامة سلام دائم بين الدول العربية وإسرائيل .
ثالث عشر : في عام 1993م عقد إتفاقية أوسلو التي تم فيها ترتيبات إعلان مبادئ إقامة حكم ذاتي إنتقالي وتم توقيعه بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في واشنطن .
رابع عشر : في 28 أيلول عام 2000م وقوع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية بعد دخول أرئيل شارون إلى الحرم الشريف في القدس وتوقفت في الثامن من شباط عام2005م بعد اتفاق الهدنة الذي تم توقيعه في شرم الشيخ بين محمود عباس الذي كان منتخباً حديثاً رئيساً لفلسطين وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون ، وخلال الإنتفاضة في عام 2002م بدأت إسرائيل ببناء الجدار العازل الذي يقع معظمه داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وانتهى العمل به في عام 2006م وبلغ طوله ( 402 ) كيلو متر مربع ويمر بمسار متعرج حيث يحيط بمعظم أراضي الضفة الغربية، وفي أماكن معينة ، مثل قلقيلية شكل معازل ، أي مدينة أو مجموعة بلدات محاطة من كل أطرافها تقريبا بالجدار، وهو عبارة عن جدار فصل عنصري . وفي هذا العام نفسه بتاريخ 29 آذار عام 2002م إجتاحت القوات الإسرائيلية مدينة رام الله وحاصرت مقر إقامة الرئيس الفلسطيني الشهيد القائد ياسر عرفات في مقر الرئاسة – العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية ( المقاطعة ) .
خامس عشر : في عام 2002م أعلن جورج دبليو بوش المبادرة العربية للسلام ( خارطة الطريق ) وقد اقترحتها اللجنة الرباعية المشكلة من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا والأمم المتحدة ، وكان هدف المبادرة البدء بمحادثات للتوصل إلى حل نهائي لتسوية سلمية من خلال إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005م .
سادس عشر : في عام 2005م سحبت إسرائيل قواتها ومستوطنيها من قطاع غزة .
سابع عشر : في عام 2008م قامت إسرائيل بعملية الرصاص المصبوب في قطاع غزة ، وتبنى مجلس الأمن القرار رقم ( 1860 ) للتحقيق في إنتهاكات القانون الدولي .
ثامن عشر : في عام 2014م جرى القتال بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، وكان الهدف المعلن من العملية الإسرائيلية هو وقف إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل .
تاسع عشر : في 28 حزيران عام 2020م الإعلان عن صفقة القرن التي أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، وتنص الصفقة على سيطرة إسرائيل على معظم الضفة الغربية عام 1967م ، وضم الكُتل الإستطانية الضخمة في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل وبقاء مدينة القدس موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية .
عشرون : في الرابع عشر من أيار عام 2018م تم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بقرار من دونالد ترامب في 6 كانون أول عام 2018م في ذكرى إحتفال إسرائيل بإعادة توحيد القدس ( إحتلال القدس الشرقية )
الحادي والعشرين : معركة سيف القدس في العاشر من أيارعام 2021م أو حارس الأسوار كما أسمتها إسرائيل ، وكان سببها الإعتداءات الإسرائيلية المستمرة في القدس وعلى المسجد الأقصى ، وقد استمرت المعركة حتى تاريخ 21 أيار من عام 2021م وارتقى فيها أكثر من مائتي شهيداً عدا الجرحى .
الثاني والعشرين : في السابع من شهر تشرين أول عام 2023م جاء طوفان الأقصى رداً على الإنتهاكات الصهيونية المستمرة للمقدسات الإسلامية والمسيحية وعلى رأسها الأقصى ، عدا عن الإعتداء على المرابطات وانتهاك أعراضهن .
بعد إستعراضنا لكل الأحداث التي مرَّ فيها الشعب الفلسطيني على مدار الصراع العربي الإسرائيلي ، نرى أن كل ما كانت تقوم به ، لم تقم الدول الغربية وأمريكا بأي تحركٍ فاعل لحل هذه القضية ، بل كانت الداعم لإسرائيل في كل تاريخ الصراع ، ولم يتم تنفيذ أي قرار من قرارات مجلس الأمن لأن إسرائيل كانت تضرب عرض الحائط ولا تعني لها شيئاً ، لأنها ضامنة الدول الغربية التي أوجدتها من أجل أن تكون العصا الغليظة التي تلوح بها في وجه الدول العربية .
ومعركة طوفان الأقصى الآن كشفت ما هو مكشوف أصلاً للوجه الحقيقي للغرب بنصرتهم ودعمهم لإسرائيل وعلى رأسهم أمريكا ، التي لم تكن يوماً حليفاً للعرب ، بل تعمل من أجل مصالحها وفرض الهيمنة على الدول العربية المستكينة وتؤدي فروض الطاعة لها .
يجب علينا كأمة عربية وإسلامية أن نعي دور اللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة ، والأدوات المهمة في يد صانع القرار الأمريكي فيما يتعلق بإسرائيل ، واللوبي الصهيوني هو من يقوم باختيار رؤساء أمريكا ، وتوجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ، ويمولون الحملات الإنتخابية للرؤساء الأمريكيين كدعمهم لدونالد ترامب وباراك أوباما وهيلاري كلنتون وجورج بوش الأب والإبن وغيرهم .
إن إرتهان رؤساء أمريكا للوبي الصهيوني ليس جديداً ، فأمريكا منذ نكبة عام 1948م ، وهي منحازة للصهيونية وتتبنى قضاياها ومساندة إسرائيل سياسياً ومالياً ، وأستعرض أبرز رؤساء أمريكا الذين دعموا إسرائيل وهم كما يلي :
أولاً : هاري ترومان رئيس أمريكا الثالث والثلاثون (1945م-1953م ) إعترف بإسرائيل بعد إعلان كيانها العنصري بعشر دقائق يوم 14 أيار عام 1948م ، ودعا للسماح بهجرة مئة ألف يهودي من أوروبا إلى الأراضي المحتلة ، وكان صديقاً حميماً لحاييم وايزمان أول رئيس إسرائيلي للدولة الصهيونية
ثانياً : لندون جونسون : ناصر إسرائيل في حرب عام 1967م رُغم غرقه بمستنقع حرب فيتنام ، وعُرف بدفاعه المستميت عن الدولة العبرية منذ أن كان في الكونجرس الأمريكي إلى أن استلم مقاليد الحكم
ثالثاً : ريتشارد نيكسون : أمر في حرب أكتوبر عام 1973م بإرسال جسر جوي ضخم من المعدات والمواد التي تُمكن إسرائيل من وقف تقدم سوريا ومصر على الجبهتين ، وقال : أن التزامنا ببقاء إسرائيل أعمق بكثير من مجرد تحالف رسمي – إنه إلتزام معنوي - أنه إلتزام لم يخل به أي رئيس في الماضي وسيفي به كل رئيس في المستقبل بإخلاص .
رابعاً : جيمي كارتر : فقد وصل إلى الحكم بدعم اللوبي الصهيوني ، وفي خطاب له في عام 1979م قال : أن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل هي علاقة دينية في الأساس ( علاقة لا تزال فريدة ، ولا يمكن تقويضها ، لأنها متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي ) .
خامساً : رونالد ريجان : إستلم رئاسة الولايات المتحدة عام 1981م ، وأثناء حملته الإنتخابية قبل أن يستلم الحكم قال : إن إسرائيل ليست أمة ، بل هي رمز ، ففي دفاعنا عن حق إسرائيل ، إنما ندافع عن ذات القيم التي بُنيت على أساسها أمتنا ، وقال أيضاً في تصريحٍ آخر بعد إستلامه الرئاسة : فقد بادرت سريعاً إلى جعل إسرائيل حليفاً إستراتيجياً وتجاهلت القضية الفلسطينية .
سادساً : بيل كلنتون : وصل إلى رئاسة الولايات المتحدة عام 1993م وأُجبر على التنحي في عام 1998م بسبب فضيحته الجنسية مع اليهودية مونيكا لوينسكي ، وقد أوقعت بكلينتون بإيعاز من اللوبي الصهيوني لأنه أعطى لزعيم السلطة الفلسطينية الراحل الشهيد ياسر عرفات وعوداً بالضغط على إسرائيل وإقناعها بضرور تنفيذ مراحل الإنسحاب حسب اتفاق أوسلو ، وحاول بعد تنحيه أن يدعم زوجته هيلاري كلنتون في حملتها الإنتخابية عام 2008م ، وقد صرحت أن ما حدث لزوجها كان مؤامرة سياسية ، لكنها سرعان ما كفت عن الحديث في ذلك لكسب تأييد اللوبي الصهيوني .
خامساً : جورج بوش الأب : ففي عهده عام 1992م حشد أكثر من ثلاثين دولة وراءه ، وقاموا بالعدوان على العراق ، ودمر فيه جانباً من منجزات العراق ومدنه ، وقتل خلالها مئات الأبرياء ، وإحكام الحصار على بلاد الرافدين ، ومنع عن العراق المواد الدوائية والغذائية مُتعمداً إفناء شعبٍ بأسره .
سادساً : جورج دبليو بوش ( الإبن ) : جاء ليُكمل مهمة أبيه العدائية للعرب من خلال غزو العراق عام 2003م ، وإشعال فتيل الحرب الأهلية بين أبنائه ، فضلاً عن إنحيازه التام لإسرائيل ، وشجعها على إرهابها الذي نشهد آخر فصوله في الحصار الظالم على قطاع غزة .
سابعاً : باراك أوباما : فقد تعهد الرئيس أوباما أمام المؤتمر السنوي الأمريكي الإسرائيلي للشؤون العامة المعروف بإسم ( أيباك ) بحماية أمن إسرائيل التي وصفها بأنها تتقاسم مع بلاده المصالح والمبادئ ، وقال عن فترة رئاسته أنه قد أوفى بإلتزاماته تجاه إسرائيل في كل لحظة وفي كل وقت ، وأضاف يجب ألا يكون هناك أدنى شك بأنني أدعم إسرائيل ، وأكد على إيمانه الجازم بقداسة الوطن التاريخي للشعب اليهودي والدولة اليهودية الإسرائيلية .
ثامناً : دونالد ترامب : يقول دونالد ترامب في منشور له على حسابه بمنصة ( تروث سوشيال مؤكداً أن اليهود في الولايات المتحدة يجب أن يكونوا أكثر تقديراً له لما فعله من أجل إسرائيل ، ويقول أنه يستطيع أن يكون رئيس وزراء لإسرائيل بسهولة ، ففي عهد ترامب حققت إسرائيل مكاسب عديدة ، أذكر أهمها :
أ – في 6 كانون أول عام 2017م الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل
ب – نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بتاريخ 14 أيار عام 2018م
ج – إلغاء القنصلية الأمريكية بالقدس في 4 آذار عام 2019م ودمجها بالسفارة في خطوة أنهت آخر تواصل رسمي بين السلطة الفلسطينية والحكومة الأمريكية
د – وقف إستخدام مصطلح الأراضي المحتلة في إشارة إلى الضفة وغزة ، وقد حذفت وزارة الخارجية الأمريكية هذا المصطلح من موقعها الرسمي بتاريخ 20 نيسان 2018م
هــ - إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بتاريخ 10 أيلول عام 2018م
و – أعلنت الإدارة الأمريكي في 19 تشرين ثاني عام 2019م أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية غير مخالفة للقانون .
ز – إعلان الخطة الأمريكة للسلام ( صفقة القرن ) في 28 كانون ثاني عام 2020م التي تهدف لإنهاء الصراع على حساب الفلسطينيين ، بمنح الفلسطينيين حكم ذاتي تحت مسمى دولة دون سيادة حقيقية ، وتسيطر فيها إسرائيل على كامل القدس الشرقية وتضم ( 30% ) من الضفة الغربية
ح – إطلاق عمليات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل في أيلول عام 2020م وشملت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب
ط – قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية بتاريخ 2 آب عام 2018م
ي – وقف المساعدات المالية الأمريكية لوكالة الغوث ( الآونوروا ) بتاريخ 30 آب عام 2018م
ك – الإعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية في 25 آذار عام 2019م
تاسعاً : جو بايدن : أعرب عن دعم بلاده لإسرائيل ، وأن دعمهم صلبٌ كالصخر وراسخ ، وقال إن الولايات المتحدة تقف بجانب إسرائيل ، ولن تُخفق أبداً في مساندتها ، ونعود إلى تصريحات في خطاب له في إحدى زياراته لإسرائيل ولقائه رئيس دولة الإحتلال إذ قال : أنا صهيوني ولا يتعين على المرء أن يكون يهوديا لكي يكون صهيونيا ، وأضاف أنه يتشرف بـ"الوقوف بين الأصدقاء في دولة إسرائيل اليهودية المستقلة" متعهداً بإعطاء دفع لعملية "اندماج" إسرائيل في المنطقة .
وخلاصة القول وبعد استعراضنا لما سبق من أحداث في تاريخ القضية الفلسطينية منذ بدايتها ، وتجاهل الغرب لما تقوم به إسرائيل وعدم اعترافها بالقوانين الدولية وعدم تنفيذها ، وكذلك من استعراضنا لأقوال بعض رؤساء الولايات المتحدة نجد أن الحقيقة واضحة كالشمس بالإنحياز الكامل لهذا الكيان المختلق ، والذي وضعوه لتفتيت الأمة ولتبقى في حالة الوهن والضعف ولمنع التفكير بوحدتها ، وأن زواله سيفقدهم السيطرة على المنطقة ، وقد قالها الرئيس الإمريكي جو بايدن عند استقباله للرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ بتاريخ 10 تشرين أول من هذا العام (2023م) : إنه لو لم تكن إسرائيل موجودة ، لكان علينا اختراعها والقصد أن وجود إسرائيل في المنطقة مهم لوجودهم في الشرق الأوسط .
فيا قادة هذه الأمة ، ويا عُربان التطبيع ، هل بعد كل ذلك أكثر من وضوح ؟!!! وهل يمكن للشمس أن تُغطى بغربال ؟!!! ، فإلى متى تتجاهلون أن دول الغرب وأمريكا ما هم إلا كيانٌ واحد ومصلحتهم واحدة ، وملة الكفر واحدة أم أنكم تسيرون على قول أحد الحكماء الذي يقول : ( إمضِ كأنك لم تسمَع، إصمُت كأنك لمَ تفھَمْ ، تجاهل كأنك لم تر، وانسَ كأنك لم تذكر، فبذلك ستنال حياة هادئة جميلة وتعيش مرتاحاً ) .
فهل ستكون راحتكم بالتخلي عن إخوتكم وتجاهل المذابح التي تحصل لهم ، فعليكم إن بقي عندكم نخوة العروبة وحمية الدين أن تقوموا بنصرة إخوانكم في فلسطين ليس كلاماً وشجباً وتنديداً بل بالفعل الذي به تُسجل أسمائكم في لوحات الشرف والفخار فمن يسطرون صفحات المجد والعزة ، ويعيدون الكرامة لهذه الآمة هم من يدافعون عن شرف أمة بأكملها ، فلا تتركوهم وحدهم في مواجهة أعداء الله فملة الكفر واحدة ، ويتربصوا بكم الدوائر ، فكونوا على قدر مسؤولياتكم أمام الله وأمام شعوبكم ، قال تعالى في سورة البقرة – الآية 120 : { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }
المراجع :
1 – الموسوعة الحرة 2 – صحيفة العرب 3 – اليوم السابع 4 – موقع الجزيرة
صخر محمد حسين العزة
عمان – الآردن
13/10/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق