البكاء
عجيب أمر البكاء هذا، فالإنسان يبكي حين يحزن حزنا شديدا، ويبكي حين يفرح فرحا أيضا كبيرا فهو يرافقنا في الحالتين، حالة الحزن وحالة الفرح، لو نظرنا للحالتين وجدنا العامل المشترك بينهما هو عدم التحكم العقلي في انفعالنا حينها، فلا تصنع ففي حالة الحزن الشديد وحالة الفرح الشديد تكون مشاعرنا صادقة خارج نطاق تحكم العقل، لكن يظل اللغز في تدفق الدموع في الحالتين، هل البكاء يريد أن يخبرنا أن الحزن والفرح متساويان في هذه الحياة، فيوم نفرح ويوم نحزن، أم يريد البكاء أن يقول لنا: لا تفرط في مشاعرك تجاه الفرح لأنك سوف تحزن يوما ما، أم يقول لنا ساعة الحزن لا تفرط في الحزن لأنك ستفرج يوما ما، لكن شتان ما بين بكاء الحزن وبكاء الفرح فبكاء الحزن بطعم المرارة وكل ذرة في جسدك تشاطرك حزنك، والأشد من هذا هو كتمان البكاء حالة الحزن، فحين نكتم البكاء حين الحزن تكون كل ذرة من جسد الإنسان تبكي وتتفجر لكن بداخله، وتكاد تصل دموعه داخله ما يفيض عنها البحر لغزارتها، فبكاء الحزن هو الشعور بالتحسر عما ألمّ بنا من سبب دفع مشاعرنا تتفجر حزنا، كأن نزول الدمع هو إعلان ثورة داخلية تفجرت واندلعت وكان بدايتها هو العين، فالبكاء حينها إعلان التمرد على وضع محزن، والبكاء في الحزن كأنما رسائل لطلب الرحمة وإن كان هناك من لا يستجيب لكنها رسائل تخرج حتى لا تقضي على صاحبها إثر الغليان والاحتقان الداخلي، ولا أشد من أن تبكي وحدك في جنح الليل كأنك تكون في حالة ثورة لكن شعارها الصمت، فهي ثورة بكاء صامتة لا تهتم لمن يشعر بها ولكنها تريد أن تتفجر والأنكى أنها لا تريد أن يشعر بها أحد، فثورة الصمت هذه لا تشتعل إلا إذا ضمك الليل بين جنباته وذهب كل من حولك إلى خله وتبقى أنت وحيدا مع ثورة بكائك، فما أشد من وطأة سكون الليل فتبكي وتكتم أنفاسك حتى لا تريد أن يصل صوت بكائك إلى أذنيك، فحينها تجد نفسك كمن ينادي ويستغيث من أعماق البحر يرى من يناديه لكن يحول صمت الماء دونكما، فبكاء الوحدة والخلوة بكاء الكبر والعزة فهو لا يريد أن يطلع عليه أحد، فيا لك من ليل تضم بين طيات ظلمته ثورات بكاء الكثير من البشر الذين لا يجدون لهم ساحة يهتفون فيها بأصوات الصمت إلا الليل الذي يكتم أسرار أصحاب الآهات الذين يهتفون لأنفسهم ولا ينتظرون من يراهم أو يستجيب لهم، فأصحاب ثورات البكاء هذه ألفوا الوحدة من كثرة تفردهم لحزنهم، وقد وصلوا لحال أنهم لا يستطيعون ولو مجرد الابتسامة ولو حاولوا الابتسامة لتشققت أوداجهم لتصلبها على وضعية واحدة ألا وهي الحزن والبكاء، فكل دمعة من دموع هؤلاء بمثابة عريضة تمرد على ما تعرضوا له من ظلم، ورغم كثرة أصحاب بكاء الليل لكنهم قليلون في الشعور بهم لأنهم لا يرفعون سقف مطالبهم عن أن يخرجوا ما بداخلهم من ظلم، لكنهم على يقين تام على أن هناك إلها يسمع ويعلم ما لا ينطون به وهو السميع العليم.
بقلمي/ محمد حسان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق