السبت، أبريل 26، 2025

مجلة وجدانيات الأدبية (( لوحة على جدار الليل )) بقلم الأستاذ محمد حسان



لوحة على جدار الليل

في جوف الليل حيث الليل يسدل أستاره، وتختبئ مشاعرنا وما نعاني خلف ثياب الليل، وبين طياته ندس كل أحلامنا علها تنبت أزهارا يوما ما نستقي منها الرحيق في عالم يشوبه الضباب لا نرى فيه اختلافا للألوان من كثرة تزاحم ما يجول بخاطرنا، في كنف الليل لا رقيب على مشاعرنا سوى القمر يتحسس من تشرق شمسهم في جوف الليل، لا يرون نور الحياة إلا خلف ثوب الليل الداكن، فهناك نحيا حياتنا كما أردنا، كما شئنا نحن لا ما شاءها غيرنا من البشر قهرا وضغطا، فخلف أستار الليل لا نستحي من مواجهة أنفسنا، ولا نخشى من رؤية حسنها وقبيحها، فخلف أستار الليل نستتر عما تفضحه شمس النهار، فتهب النفس تخرج كل ما في داخلها من ذكريات وآلام، بل ويتزاحم علينا المكان في جنح الليل، فهناك نستدعي كل ما تشتهي أنفسنا من ذكريات وأحباب فارقونا أو حتى بيننا ولا نستطيع لقياهم، ونتبادل كؤوس الود والخلاف كؤوس القرب والبعد، فهنا كل صنوف ما تشتهي، فنجد الكون الذي سمته الرحبة والاتساع ليلا يضيق بنا وبما نستدعيه خلف أستاره، ففي سكون الليل ضجيجنا وفي حلكة سواده نرى الأشياء على حقيقتها، حيث لا وجوه إلا الوجه الحقيقي ولا صوت إلا الصوت الحقيقي تلك الأشياء التي هي أرواحنا التي نحملها داخل هذا الوعاء الجسدي، التي لا تظهر بطلوع النهار وتختفي تحت ضوء الشمس، فعلى جدار السكون نرسم أحلامنا، ومن سواد الليل نستقي ألوانها المختلفة المختلطة بألوان الفرح تارة وألوان الحزن تارة، ونداعب نجوم الليل بما نرسله لها من شهب خبايا أعماقنا، وتسامرنا طيورالجن بمسها ولمزها من بين حقول الظلام، حيث في طياتك يا ليل يصبح ظاهر الأمور باطنها، وداخلها يصير خارجها، فأنت يا ليل لك مذهبك الخاص الذي لا يلوذ بك إلا من اعتنقه وأقر بما فيه، ومن آكد سننه أنك لا يعيش بطياتك من لا يظهر حقيقته عارية عن التصنع والتجمل، فهنيئا لنا بهذا الليل وبفضائه الرحب؛ بل نهنأ بحقيقة أنفسنا دون أي شائبة فتجمع شملنا بداخلك ونجدد البيعة على البقاء بين طياتك حتى لا تشرق شمس النهارفتذيب ما رسمنا من لوحات حقيقتنا على جدار ظلامك.
بقلمي / محمد حسان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجلة وجدانيات الأدبية (( الوداع )) بقلم الكاتب دمال الدين خنفري /الجزائر

قصة قصيرة جدا الوداع اقتربت منه انسلت روحها إلى وجدانه، ارتبكت فرائصه، أزالت ستائر حيائه بشفاه معتقة بحمرة التخدير، انساق وراء نزواته، عرته ...