
عــدالــة الإســلام أم مُــساواتــهم ؟!!
عندما خلق الله عزَّ وجلْ الكون خلق الإختلاف في الكائنات ، والإختلاف في الصفات والطبائع ، وكل كائن له صفاته وطبائعه الخاصة التي تتماثلُ مع جنسه ، وهذا الإختلاف لحكمة إلهية ، فلا يمكن أن يخلق مثلاً جميع البشر سواسية في الجنس وسواسيةً في الدرجات ، قال تعالى في سورة الأنعام – الآية 165 : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ، لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ففي هذه الآية الكريمة يقول الله عزَّ وجلْ أنه خالف بين أحوال الناس فجعل بعضهم فوق بعض بأن رفع ناس درجات وخفض غيرهم ، وبسط رزق أُناس وخفض آخرين ، وهذا امتحان من الله لعباده لطاعته ولصبرهم على ابتلائهم ، ولكن كيف سيكون الناس كلهم نفس الدرجات ، فمن أين ستجد العامل أو المهندس أو الطبيب ، إذا كانوا كلهم طبقةً واحدة ، فلهذا أوجد الإختلاف من أجل إعمار الأرض ، وجعل من كل كائنٍ زوجين اثنين من أجل التكاثر وإعمار الأرض ، وميَّزَ لكل جنس صفات خاصة به تختلف عن الجنس الآخر ، إن كان ذلك إنساناً أو حيواناً أو نباتاً أو حتى جماداً ، ولهذا كيف يُمكن أن يتساوى الذكر مع الأنثى وكلٌّ له صفاته الخاصة التي فطره الله عليها ، فهل يمكن أن يتساوى الورد مع الشوك ، أو الماء مع النار ، وهل يمكن أن يتساوى الذئب مع الحمل ، فكلُّ مخلوقٍ له صفاته الخاصة به فلا يمكن للذكر أن يُنجب أولاداً ، ولا يمكن للشوك أن ينفث عبيراً كالورد ، ولا يمكن للذئب أن يأكل الحشائش والحمل يكون مفترساً ، ولا يمكن للنار أن تطفئ حريقاً ، أو أن الماء يصهر معدناً من المعادن ، وهل يمكن أن تتساوى الفضيلة مع الرذيلة ، أو الشر مع الخير ، ولهذا فقد سنَّ الله الشرائع والقوانين لتنظيم الإختلاف بين المختلفين ، أو المساواة بين المتماثلين ، ولذا فقد أوجد الله قوانين العدالة والمساواة بين البشر ، لكي يعرف كل كائن ما لهُ وما عليه في شؤون حياته ولا يتجاوزها وحسب حدود الله التي شرعها الله جلَّ في عُلاه .
فما العدالة والمساواة وهل يلتقيان معاً ، أو هل يوجد فرقٍ بينهما ؟
فالعدالة والمساواة مفهومان مرتبطان ببعضها البعض ، ولكن يكون فيه العدل للجميع قاطبةً بدون استثناء باختلافهم أو بتماثلهم وهو امتثال لسيادة القانون وإنهاء التعسف بتحقيق المساواة في المجتمع عن طريق الحقوق وإتاحة الحرية والفُرص لجميع افراد المجتمع ، ولا يكون العدل إلا بالمناصفة والمساواة والتكافؤ بين الأطراف في مختلف القضايا ، والأمر تحكمه ضوابط متبعة يتحقق فيها العدل ، أما المساواة فهي منح أفراد المجتمع جميع الحقوق بالتساوي وكلٌ حسب وضعه الإجتماعي وطبيعة عمله ، ويحصل الجميع على ذات الفرص والعمالة والدعم ويتساوى الجميع بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم ومعتقداتهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبدالله –محدثهُ الألباني : ( يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ ) أما المساواة والإنصاف فيكون بين طرفين من نفس الجنس ، في طبيعة الفطرة التي خُلقه عليها بإعطائه حقوقه التي نص عليها الشرع ، أو أن تكون المساواة في مجال العمل لنفس الطبقة ، وهنا يتدخل العدل في ذلك اذا تشابهت الحقوق فيكون تحقيق العدل بالمساواة ، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه .
إن ما تقدمت به سابقاً من مقدمة ما وهو إلا ردٌ على الأصوات النشاز التي تطالب بالمساواة بين الذكر والأنثى ، وتتجاوب بعض مؤسسات مجتمعات دولنا لهذه المطالبات المشبوهة الي لا تصلح لمجتمعاتنا ولا تمثل ديننا ، وذلك لما وراء هذه الدعوات من أهداف خبيثة ، وهذه المطالبات التي تتمثل بما تسمى إتفاقية ( سيداو ) والتي أهدافها حسب قولهم الدفاع عن حقوق المرأة ، ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات ، ولكن باطن هذه الإتفاقية هو تجريد المرأة وخاصة المسلمة من حقوقها ومن طبيعتها التي فطرها الله عليها ، والإسلام كرَّم المرأة المسلمة ومنحها حقوقاً وأعلى من شأنها وميزها عن باقي نساء الأرض وحررها من ظلم الجاهلية وظلامها ، ومن تحكم الرجل في مصيرها بغير حق، فكرم القرآن المرأة وأعطاها حقوقها بوصفها إنسانا، وكرمها بوصفها أنثى، وكرمها بوصفها بنتا، وكرمها بوصفها زوجة وكرمها أما، وكرمها بوصفها عضوا في المجتمع، لقد جاء الإسلام وبعض الناس ينكرون إنسانيتها؛ لكنه يعتبرها مخلوقا خلق لخدمة الرجل، فكان من فضل الإسلام أنه كرم المرأة، وأكد إنسانيتها، وأهليتها للتكليف، والمسؤولية والجزاء ودخول الجنة واعتبرها إنسانا كريما، له كل ما للرجل من حقوق إنسانية؛ لأنهما فرعان من شجرة واحدة، فهما متساويان في أصل النشأة، متساويان في الخصائص الإنسانية العامة، متساويان في التكليف والمسؤولية، متساويان في الجزاء والمصير، وفي ذلك يقول القرآن الكريم في سورة النساء – الآية 1 : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) والمرأة في الإسلام شقيقة الرجل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما النساء شقائق الرجال )
وتعقيبا على ما تقدم ، أود أن أنوه لبعض بنود هذه الإتفاقية التي تنادي بإلغاء تعدد الزوجات ، وإلغاء قوامة الرجل على المرأة ، والولاية عليها ، وإلغاء الحجاب ونظام الإرث ، وأخطر من ذلك إعطاء المرأة حق التصرف في جسدها وحق الزواج من كافر ، وحق الخروج من البيت والإختلاط بالرجال وغيرها من مخالفات الدين والشريعة .
إن هذه الإتفاقية لا تتناسب مع مجتمعاتنا المسلمة ، لأنها لا تحكمها الشريعة الإسلامية ، وبالغوا في مساواتهم بين الذكر والأنثى ، وتناسوا الفروق الحقيقية بين الرجل والمرأة ، ولهذا فأن جوهر وحقيقة هذه الإتفاقية الذي تُخفيه أوضحه بما يلي :
أولاً : المادة (2) من هذه الإتفاقية تجعل مرجعية المواثيق الدولية فوق مرجعية الإسلام في الأحوال الشخصية
ثانياً : المادة (3) تدعو لرفض تفريق الشريعة بين الرجل والمرأة بالعدل وإعطاء كل منهما حقه والمطالبة بالمساواة المطلقة برفض كل أحكام الشريعة المتعلقة في الزواج كإعطاء المرأة مهراً ، وجعل الطلاق بيد الرجل ، وإلغاء العدة للمرأة ، وتقسيم الميراث
ثالثاً : المادة (6) عدم معارضة عمل النساء في الدعارة لحساب أنفسهن
رابعاً : المادة (10) الدعوة لنشر الثقافة الجنسية بين الأطفال دون سن الثامنة عشر عاماً بحجة حقهم في المعرفة
خامساً : المادة (11) إلغاء واحتقار دور الأم في تربية أولادها وخدمتهم ، وكأن خدمة الآخرين رُقي وخدمة الأهل إمتهان
سادساً : المادة (12) تدعو للإنحلال وشرعنة العلاقات الجنسية المحرمة من خلال التعهد بتقديم الخدمات الصحية للنساء دون اعتبار كونها متزوجة أو غير متزوجة
سابعاً : المادة (15) دعوة المرأة للتمرد على أسرتها وتدعوها للسفر والسكن حيثما شاءت بغض النظر عن موافقة ولي أمرها من أبٍ أو أخٍ أو زوج
ثامناً : الدعوة لإعتماد الزواج المدني العلماني وتسمح بزواج غير المسلم من المسلمة ، ومنع تعدد الزوجات ، وإلغاء عدة المرأة ، ورفض قوامة الرجل على زوجته ، ورفض موافقة ولي أمر الفتاة على الزواج ، وتمنع الزواج تحت سن الثامنة عشر ، وهذه النقطة تحديداً يدَّعون فيها أن ذلك عنف ضد المرأة ، ولكن تشجيعهم للعلاقات المحرمة من زنا وشذوذ تحت هذا السن يعتبرونه امراً عادياً ، تحت باب أن المراهقة لها الحق أن تتمتع بجسدها الذي تملكه .
بالناظر لهذه المواد يتبين جلياً أهدافهم الدنيئة التي ظاهرها مساواة الرجل بالمرأة في الحقوق وهذا ما يتنافى مع شرع الله ، أما باطنه فهو نزع تاج العزِة والشرف وتكريم الله عزَّ وجل للمرأة في كل المعاملات ، وإنصاف حقوقها ، ولمكانة المرأة عند الله إن أنزل سورة كاملة يُبين فيها حقوق المرأة وهذا أكبر تشريفِ لها ، فلهذا لا نريد مساواتهم التي تفوح منها رائحة الرذيلة والعهر ، وعلينا بأتباع شرائع ديننا التي كرّمنا الله بها ورفع بها من شأن المرأة ، فلا عدالة ولا مساواة بعد عدالة السماء
وبعد ذلك كله أقول أن الإسلام هو دين عدل ، وليس دينُ مساواة ، فلا يمكن المساواة بين الإنسان والحيوان ، أو بين الطيب والخبيث ، أو المساواة بين الذي يعمل والذي لا يعمل ، أو بين الجاهل والعالم ، فظاهر المساواة عندهم عدلٌ وإنصاف وباطنها شرٌّ وخبثٌ وكذب ، والإسلام ينادي بالعدل بأن يعطي كل ذي حقٍّ حقه ، قال تعالى في سورة الزمر – الآية 9 : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } وقال تعالى أيضاً في سورة آل عمران في الآية 36 : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } وقال تعالى في سورة البقرة في الآية 228 : { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ففي هذه الآيات تُبين أن المساواة تكون بين متماثلين ، فالمساواة بين النساء إذا اشتركن في نفس صفة في العمل مثلاً أو إذا كان الرجل متزوج من أكثر من مرأة فيجب عليه أن يعدل بينهن ويكن متساوين في أعطائهن نفس الحقوق والواجبات ، وكذلك الحال في الرجال فإذا كان عمال يعملون بنفس المجال فيجب على صاحب العمل أن يساوي بينهم في الحقوق ، أما إذا كان واحدٌ متميزاً عن الآخرين في جده ونشاطه فيكون من العدل بإكرامه برفعه درجة أعلى أو منحه مكافأة أكثر من غيره ، والعدل في الإسلام يتميزُ بالسمات التي فيها تحقيق المساواة والعدل للمجتمع أجمع وهي كالآتي :
أولاً : إرتباط العدالة بعلاقة أفراد المجتمع بعضهم ببعض
ثانياً : إستنادها على عادات وتقاليد وقيم المجتمع
ثالثاً : إرتباطها بجميع جوانب السلوك البشري ، ووضع القوانين والمحاكم لضبطها
رابعاً : هدف العدالة توزيع الحقوق والفرص بشكل متساوٍ وعادل بين الجميع
خامساً : إرتكاز العدالة على التوفيق بين المصالح الفردية ومصالح المجتمع
سادساً : إرتباط العدالة إرتباطاً وثيقاً بالمساواة والحرية والملكية الشخصية
سابعاً : إرتكاز العدالة على مبدأ الموازنة بين العلاقات الإنسانية ، لكي يتمكن كل فرد من الحصول على حقوقه دون انتقاص
ثامناً : تتنوع أبعاد العدالة ما بين إجتماعية واقتصادية وسياسية وقانونية ، وانواع العدالة تتوزع كالآتي :
أ – العدالة التوزيعية : وهي تعتمد على التوزيع العادل اقتصادياً بين أفراد المجتمع في السلع والخدمات والمنافع
ب – العدالة الإجرائية : وهي العدالة بتحقيق الإنصاف في اتخاذ الإجراءات القانونية
ج – العدالة الإصلاحية : وهي تقوم على محاولة الإصلاح بين الطرفين المختلفين بالتعويض أو الإعتذار من طرف الجاني
د – العدالة الجزائية : وهي إقرار العقوبة المستحقة العادلة لردع مرتكبي الجرائم وردع الآخرين عن ارتكاب المخالفات المماثلة مستقبلاً
هــ- العدالة الإجتماعية : وهي تحقيق الإنصاف بين أفراد المجتمع بجميع أطيافهم ويتمثل ذلك بما يلي : 1 – حقوق الإنسان ، 2 – المشاركة ، 3 – الإنصاف ، 4- المساواة في العِرق
5 – المساواة بين الجنسين ، وكل جنس حسب خصائصه
وختاماً أقول إن الله عزَّ وجل عندما يفضل أحدٍ على أحد ليس من باب المجاملة ، فكلما زاد التشريف ، زاد التكليف ، وعدم المساواة بين الرجال والنساء ، لأن الرجال مُكلفون أكثر من النساء لما يقع عليهم أعباء ومسؤوليات أكثر من النساء بسب تكوينهم وبنيانهم الجسدي فعلى عاتقهم يقع العبء الأكبر في مشاق الحياة ، فالأنبياء أيضا مكلفون أكثر من البشر لأن الله فرض عليهم أمور وأشياء أكثر من بني البشر ، قال تعالى في سورة المائدة- الآية 8 : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
صخر محمد حسين العزة
عمان – الأردن
17 / 7 / 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق