الــحــا خــامــات الــمُــعــ مــمــيــن
بقلم : صخر محمد حسين العزة
من أخطر الأمراض في سلوكيات البشر هو انفصام الشخصية وما يُعرف بالسكيزوفرينيا أو الشيزوفرينيا ، وهو إضطراب نفسي يتسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تمييز الواقع ومن أعراضه التوهم ، حيث يحمل صاحب هذا المرض شخصيتين مُتناقضتين ويشعر بأنه مُسيطر عليه كأن يكون مُتلبساً من الجِن ، وأنه مُسيطرٌ على عقله وتفكيره ويتحرك كالرجل الآلي ويعاني من فقدان ترابط أفكاره ومشاعره وتصرفاته ، وعدم الإحساس بهويته مما يؤدي إلى ظهور شتخصيتين مُختلفتين أو أكثر تتحكم في تفكير المُصاب وسُلوكياته لكُلٍّ منها هويتها .
إنَّ الإنسان الذي معهُ هذه الحالة المرضية فهي حالة فسيولوجية ومرضٌ كأيِّ مرضٍ آخر ، نتمنى من الله عزَّ وجلْ لأصحابها بالشفاء ، ولكن في مجتمعاتنا من يعيشون بيننا مرضى وما هم بمرضى ويعانون من حالة الإنفصام وتحكمهم بذلك أنفسهم المريضة ومصالحهم الشخصية ، وهؤلاء هم الطابور الخامس من شيوخِ دين وعلماء وسياسيين وأدباء والذين يزورون الحقائق من أجل مصالحهم الذاتية على حساب أوطانهم وخدمة لأعدائهم لا يردعهم ضميرٌ أو دين ، وقد سبق وكتبت مقالاتٍ عديدة عن هؤلاء ، وأخطر هذه الفئات هم شيوخ الدين الذين يستغلون الدين في تنفيذ أهوائهم وشهواتهم ومتاع الدُنيا ، والناس يتبعونهم من منطلق تدينهم وما يظهر على مظهرهم من ورعٍ وتدين ، ولكن يخفون خلف هذا المظهر شيطانٌ مريد ، فلا يغرك المظهر وانظر إلى الجوهر ، وكما قال الشاعر :
إنَّ الأفاعي وإنْ لانت ملامسُها عند التقُلب في أنيابها العطبُ
وكان لهؤلاء المُتمشيخين الدور الكبير في إغواء الشباب وزجهم في حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا بعير للجهاد في أفغانستان ضد الإتحاد السوفياتي ، فأصدروا الفتاوى للحضِّ على الجهاد مُستغلين نخوة الشباب وتحرقهم للجهاد نُصرةَّ وحميةًّ للدين ضد أهل الكُفر ، لكن هذه الفتاوى ما صدرت منهم إلا بناءاً على أوامر أمريكا وسلاطينهم وكلها مدفوعة الثمن ، ونوجه السؤال لهؤلاء المنافقين ، لماذا خرستهم عن دعوات الجهاد من أجل تحرير فلسطين وتحرير المسجد الأقصى ، وخرستم عن دعواتكم للجهاد أمام المجازر التي تُرتكب في غزة وفي الضفة ، وتطالبوا المجاهدين بالجهاد بالسُنن إي بفتاوى الحيض والنفاس ومبطلات الصيام والإستنجاء من البول .
لقد أفردت مقالي هذا للحديث فقط عن مشايخ وعلماء الدين لما لهم من أثر كبير في التأثير على الناس ، لأن الدين عقيدة وإيمان ومن هذا المنطلق فالناس ينجذبون لهؤلاء من منطلق أنهم هم العُلماء الثُقاة وهم حملة رسالة الإسلام في العالم ، فيكون لهم أثرهم على الناس ، ولكن السؤال أين هؤلاء أمام واقع الأمة وما تمر فيه من أزمات وواقع يتهدد مصيرها ؟ وأين هم من قول الحق دون تأثير سلاطينهم وولاة أمرهم كسابقهم من علماء المسلمين في تاريخنا الماضي كإبن تيمية وأحمد بن حنبل والعز بن عبدالسلام ، فلا يخافون بالله لومة لائم ، ونستذكر شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام الذي جابه الملك الصالح العز بن عبد السلام الذي دخل في اتفاقيات صلح مع الصليبيين ومنحهم مناطق في دمشق، وسمح لهم بشراء الأسلحة والتزود بالطعام ، فخطب خطبة حرَّمَ الصُلح فيها مع الإفرنج وبيعهم السلاح ، ومما قال فيها : (اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد ، يُعز فيه أهل طاعتك ، ويُذلُ فيه أهل معصيتك ، ويُؤمر فيه بالمعروف ، ويُنهى فيه عن المنكر ) ولهذا إعتقله الملك الصالح مُعتبراً خطبته عصياناً ، وله موقفٌ آخر في تحفيز الشعب وحشدهم لمجابهة المغول الذين أنهوا الخلافة العباسية في بغداد حتى وصلوا إلى أبواب القاهرة ، فبدأ الإعداد للمواجهة ، وأمر سيف الدين قطز بجمع الأموال من الناس ، ولم يعارضه أحد من العلماء ، ولكن وقف في وجهه العز بن عبدالسلام وطالبه ألا يأخذ شيئا من الناس إلا بعد إفراغ بيت المال ، بعد أن يخرج الأمراء وكبار التجار من أموالهم وذهبهم ، بالمقادير التي تتناسب مع ثرواتهم حتى يتساوى الجميع في الإنفاق على تجهيز الجيش ، فإذا لم تكف الأموال ، يمكن حينها للملك أن يفرض الضرائب على بقية الناس فتراجع قطز عن قراره ونزل على حكم الشيخ ، وهكذا استمر الأمر حتى معركة عين جالوت الفاصلة ودحر المغول للأبد .
ولكن أمام واقع أمتنا أين هؤلاء العلماء ومشايخ الدين وما يُعرفون بشيوخ السلاطين والذين جيروا الدين لدنياهم وصاروا يضعون ويبتدعون الفتاوى بما يتناسب مع طلب حاكمهم ؟!! وهل طاعة الحاكم هو المطلوب حتى لو كان ظالماً وعاصٍ لله ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وهم ينطلقون من تصرفاتهم وفتاويهم معتمدين على الأية الكريمة رقم 59 من سورة النساء التي تقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } وهنا في هذه الآية الأمر واضح فوجوب الطاعة معطوفة على اتباع أوامر الله عزَّ وجلْ ورسوله الكريم ، وعدا عن ذلك قد ذكرت الآية ( أولي الأمر ) وليس ولي الأمر أي بصيغة الجمع ولم تُقرن بمفرد ، وشيوخ السلاطين يعرفون معنى ذلك جليَّاً ويعرفونه ولكنهم يحورون الكلم عن موضعه حسب أهوائهم وما يُرضي سلاطينهم ، ولو عُدنا للأية رقم 58 من نفس سورة النساء لوجدنا توضيحاً أكبر للمعنى في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } فأين يا شيوخ السلاطين العدل وأداء الأمانات هذه الأيام في أمتنا ؟!! .
منذ بداية اتفاقيات السلام مع الكيان الص هيوني بدءاً بكامب ديفيد عام 1978م ، وحتى معركة طو فان الأق صى نشط هؤلاء في تضليل الناس ، وإبعادهم عن الحقائق بإصدار الفتاوى والتوجيهات النابعة من مصالحهم الذاتية وما يمليه عليهم حكامهم ، وأورد بعض الأمثلة التي فيها ما يجعل الإنسان يسقط من فرط الضحك على فتاويهم المضحكة المبكية لما وصلنا به حالنا من تردٍ ، فشرُّ البلية ما يُضحك
أولاً : يقول أحد من يُسمى داعية : أنه لا يجوز الخروج على الحاكم ولو "زنى وشرب الخمر لمدة نصف ساعة على التلفاز" ، وأقول أيُّ عاقل يمكن أن يُصدق هذه الفتوى ، وأيُّ حاكمٍّ مهما كانت صفته أن يقبل بمثل هذا الكلام
ثانياً : يقول هذا المُدعي أيضاً : يجب إطاعة الحاكم لو جلد ظهرك وأخذ مالك ، ونذكره بقصة عمر بن الخطاب عندما أتاه رجلٌ مصري يشتكي إبن عمرو بن عاص الذي ضربه بالسوط ، فقال : (يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذًا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص، فسبقته، فجعل يضربني بالسّوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه، ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصريّ؟ خذ السوط، فاضرب ، فجعل يضربه بالسوط ، ويقول عمر: إضرب ابن الأكرمين ، قال أنس: فضرب ، فوالله ، لقد ضربه ونحن نحبّ ضربه ، فما أقلع عنه حتى تمنّينا أنه يرفع عنه ، ثم قال عمر للمصريّ: ضع على ضلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما إبنه الذي ضربني، وقد اشتفيت منه ، فقال عُمر بن الخطاب لعمرو بن العاص: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارًا؟ قال: يا أمير المؤمنين ، لم أعلم، ولم يأتني)
ثالثاً : وداعية آخر يطلب من أبو عبي دة الناطق الإعلامي لكتا ئب الق سام بالجهاد بالسنن إذ يقول وهو يلف شماغه على وجهه إستهزاءاً : ( يا أبا عبي دة جاهد بالسُنن ، فأنه أعظم من الجهاد بالسيوف ، يا أبا عب يدة ربّي أُمة غزة على الكتاب والسُنة ) وهل يقصد هذا أن يحارب المجاهدين الصه اينة بمبطلات الصيام ، وبأحكام الحيض والنفاس؟!! ، أم الجلوس والدعاء عليهم والطائرات تقصفهم؟!! ، هل نسي هذا أن ذروة سنام الإسلام الجهاد؟َ!! ، وهل رسولنا الكريم نشر الإسلام ومن تبعه من الأمم الإسلامية بالجهاد بالسنن ، أم بالجهاد الذي هو فرضُ عينٍ على كل مسلم؟!! ، وهل نسي قول الله عزَّ وجل في سورة الأنفال – الآية 60 : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } وقد نسي هذا المدعو أن أشد الناس عداوة لديننا هم اليهود والنصارى ، وهم الذين يبيدون أبناء قطاع غزة بما يرتكبوا من مجازر وقد قال الله عز وجل فيهم في سورة الممتحنة – الآية 1 : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ } فأين هؤلاء المُطبعين من كلام الله
رابعاً : ويأتي مُدَّعٍ جاهل آخر ليقول أنَّ الإستنجاء من البول أهم من القضية الفلسطينية إذ يقول : ( يوم القيامة في القبر إذا لم تتنزه عن بولك تُعذَّب ، لكن إذا سُئِلت عن أمور فلسطين فلن تُعذب ، ويؤكد عليه جاهلٌ بقوله (سُبحان الله)وكأنه قال أمراً عظيماً يدعو لذلك ، ويكمل قوله وهو يحلف أغلظ الأيمان بالقول : ( أنه لو تم سؤال هؤلاء من يشتغلوا بقضية فلسطين : كيف تتنزه من بولك ، فيقول والله لن يعرفوا ) فجوابي له ولأمثاله أقول : ( إنَّ كُلَّ إناءٍ بما فيه ينضح )
خامساً : وعند استشهاد القائد المجاهد يح يى الس نوار أبو إبراهيم يخرج إلينا شيخٌ من مستنقع الخيانة ومن مناهل الإذلال والخنوع ليقول : ( الحمد لله تم اليوم اغتيال فأر الأنفاق يحيى السنوار، الحمدلله خلصنا منه وخلصت غزة منه والأرض والشجر والدواب ، وهو ظالم وأنه كان السبب في مقتل وجرح ما يزيد عن مائة الف ) وهو بقوله يؤيد الرواية الص هيونية ويحتفل معهم باستشهاده ، مع أنهم إنبهروا باستشهاده مقبلاً غير مُدبر ، ودحض وأخرس أكاذيبهم وكل المتواطتئين معهم بأنه كان مختبأً في الأنفاق ، وكان يتخذ الأسرى الص هاينة دروعاً لحمايته ، وقولٌ آخر يقول أنه كان ينوي مغادرة غزة إلى مصر تهريباً ، فأتى استشهاده فوق الأرض مقاوماً إلى الرمق الأخير ، وعند تشريح جسده الطاهر تبين أنه لم يذق الطعام منذ ثلاثة ايام ، فبهت الذين كفروا ، قال تعالى في سورة البقرة - الآية 258 : { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
سادساً : ونأتي إلى شيخ آخر من شيوخ الضلال الذي يقول أن قيام حم اس بط وفان الأق صى هو عمل متسرع وبدون إعداد وهم قلة ، وقال أن الجيوش العربية لن تقوم بنصرة أهل فلسطين ، لأن هذه الجيوش وجدت لحماية دولها فقط وليس فلسطين ، ويحمل المقاومة استشهاد الآلاف ولا يلقي اللوم على العدو الذي لم تتوقف مجازره على فلسطين منذ تأسيسه عام 1948م ، ويقول والله لو لم أبق وحدي؛ سأتكلم عن حم اس صنيعة الروافض المجوس ، وأنه لن يتعاطى إلا مع المستضعفين حتى لو كانوا في الهند أو في الصين ، وقد تناسى المستضعفين في غزة ، وتناسى أن لجوء حم اس أو غيرها إلى إيران لم يكون إلا عندما تركتها دولك ولم تمد لها يد العون والمساعدة ، ولكنها رغم ذلك لم تتخلى عن نهجها وعقيدتها ولم تخضع لأجندة دولة المجوس كما تذكر ، ونسأله أين كنت مع مقتل الآلاف في سوريا وفي العراق وفي ليبيا على يد أمريكا وأعوانها ، أم أن أمريكا هي دولة مسلمة ، ولا ندري ؟ وهل تناسيت يا هذا أن فلسطين أرض الرباط وأرض الأنبياء والصحابة وأرض الإسراء والمعراج ، والأقصى هو القبلة الأولى وثالث الحرمين ، ولا يجوز شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ثالثها المسجد الأقصى ، ونعود لقوله عن الإعداد والعُدة ونذكره بقول الله تعالى في سورة البقرة – الآية 249 : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } ونذكرك يا هذا بغزوات الرسول عليه السلام من بدرٍ إلى أُحدٍ إلى غزوة الخندق وهل كان في أي من هذه الغزوات المسلمين لهم الكثرة بالعُدة والعتاد وتحضرنا هذه الأيام ذكرى معركة مؤتة التي حرَّك الرسول جيش الإسلام نُصرة لرسوله الحارث بن عامر الأزدي الذي قتله ملك البُصرى شرحبيل بن عمرو الغساني ، فجمع جنده قوام ثلاثة آلاف مقاتل وعلى رأسهم ثلاثة من قادة الصحابة وهم زيد بن حارثة فإن استشهد استلم الراية منه جعفر بن أبي طالب ، وإن استشهد فيستلم الراية عبدالله بن رواحة
وسار جيش الإسلام ليتفاجأ بأن عدد جيش الروم مائة الف جندي ومعهم مائة ألف من القبائل العربية الموالية لهم أي أن العدد لدى جيش الروم بإمرة هرقل مائتي الف مقاتل ، أمام فقط ثلاثة آلاف صحابي من جند الله ، فتشاور المسلمون إما أن يُخبروا رسول الله بذلك وبهذا العدد ، فإما أن يرسل لهم المدد ، أو أن نمضي بأمره ، وقال لهم عبدالله بن رواحة : ( ما نقاتل الناس بعدد ، ولا عدة ، ولا كُثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحُسنيين ، إما ظهور ، وإما شهادة – فقال الناس صدق والله ابن رواحة ) فمضوا في طريقهم لملاقاة جيش الروم ، واستشهد القادة الثلاث ، ليستلم بعدهم الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه ، الذي انقذ جيش المسلمين بطريقة تحفظ هيبته وغير الخطط التي أوهمت الروم بأنه قد جاء مدد لجيش المسلمين فخارت عزائمهم ، واشتد عليهم المسلمون ، وعاد بجيش المسلمين بأقل خسارة ممكنة ، وقُتل من الروم خلقٌ كثير ، وكان ذلك نصرٌ كبير للإسلام والمسلمين ، تبع معركةمؤتة بسبع سنوات الفتوحات الإسلامية ، فالعبرة من ذلك أن هؤلاء القادة الشهداء الثلاث لم ترهبهم كثرة أعداد الروم ومن حالفهم من عدة وعتاد ، فمضوا متوكلين على الله ، وما يحدث في غزة بعد عام وشهرين من تاريخ بدء معركة طو فان الأق صى في السابع من تشرين أول عام 2023م وحتى الآن هو توفيق وتوكلٌ على الله ، وإعجازٌ من ربٍّ عظيم ، وشعار المجا هدين ، هو شعار جيش مؤتة ( وأنه لجهاد نصرٌ أو استشهاد ) وهذا أكبر ردٍ على المنافقين من شيوخ السلاطين ومن شابههم .
خلاصة القول نقول لهؤلاء هل أنتم من قال عنكم ( العُلماء ورثة الأنبياء ) ؟ وهل أنتم حقاً السلفُ الصالح ؟!!!، وما نراه منكم لا يشي بذلك ما أنتم إلا أنكم أشداء على أبناء أمتكم ، ورحماء مع أعدائكم ، فأيُّ دينٍ تتبعون وأيُّ فكرٍ تنتهجون ، وابتعادكم عن قول الحق واستغلال الدين في تنفيذ أجندات موكلين فيها ، ما يدل إلا أنكم خريجوا مدارس بني صه يون والبنتاغون الأمريكي و(السي آي أيه ) ، فأنتم وبالٌ على أُمتكم ، وما أنتم إلا حاخاماتٌ مُعممة تُطيلون اللحى وتلبسون العمائم وتلبسون لبوس الدين والدينُ منكم براء ، وكما قال الكواكبي: (إن الاستبداد السياسي يتولد من الاستبداد الديني ، وما من مستبدّ سياسي إلى الآن، إلا ويتخذ له صفة قداسة يشارك بها الله أو تعطيه مقاما ذا علاقة مع الله ، ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خَدَمة الدين، يعينونه على ظلم الناس باسم الله ، وإنما فسدت الرعية بفساد الملوك ، وفساد الملوك بفساد العلماء، فلولا القضاة السوء والعلماء السوء لقل فساد الملوك خوفا من إنكارهم" ، فالأمة بحاجة إلى علماء يقيمون الحُجة على الحاكم ، ويكون عوناً له ، لا عليه ، ويوجهونه إلى الطريق القويم ، ولا يخافون من العقاب بل يكونون نُصراء للحق ، ولله درُّ أمير المؤنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، إذ وقف في الناس قائلاً : ( "من رأى منكم فيَّ إعوجاجاً فليقوْمه" وقال له أحدهم :"والله لو رأينا فيك إعوجاجاً لقوّمناهُ بسيوفنا" فقال عمر رضي الله عنه :" الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوِّم إعوجاج عمر بسيفه" وهكذا حال أُمتنا فلو وجدت من يقف في وجه الحاكم ويقول له ما الصواب وما الخطأ ، لما ظلموا الحكام وطغوا وفسدوا ، وكما قال الشاعر :
وإذا تـولــى المفسدون ديارنـــا فالــويل قــادم والـثبور وراءٌ
والصمت عار والسكوت مــذلـة والخوف جبن والخضوع فناءٌ
وإذا الحياة كــمـا الـعدو يـريدهـا فــالـحـاكمين بــأرضنا جــبناءٌ
وإذا الشعوب تراجعت عن حقها عــم الــفساد وحـلـت الـبغضاءٌ
لـكـن مـن وجـد الـفساد بـأرضـه يــدعـو الـولاة ويـتبع الـحكماءٌ
إن الــفساد مـن الـنـفـاق وأهـلـه صـدق الـدُعاة ويزعم الزعماءٌ
والـعدل حـق والشريـعـة واجـبة والأمـر شورى والـجميع سواءٌ
لا يـنـثـني عـن عـزمه وسلاحـه غـضب الـعـوام يُـثـيـره الـفُقراءٌ
وإذا أراد الشعــب يـأخــذ حـقــه فـلـهُ الـحـياة ولـخصمه الـغبراءٌ
وسيـبـتـدئ عـهد جـديد ويـنتهي زمـن الـركـود ويـحـمد الإصغـاءٌ
ويـكـون عـهـدٌ للـعـبـادُ مُـبـاركـاً ولـكـل عُـضـوٍ فـي الـفساد بـلاءٌ
صخر محمد حسين العزة
عمان – الأردن
15 /11 /2024