قصة ورواية الرحيل
((الرحيل ))
بقلمي
فيتوري العبيدي
البيضاء /ليبيا
انتصف الليل البارد بكل مافيه من برودة خاوية ،تجهم الظلام ولم يدعْ للضوء الخافت بالولوج إلى داخل (البراكة ) الكوخ المتهالك،أزيز الريحِ يصمُ الاذان بكل صلفٍ،الكوخ المحاط بأكياسٍ ٍ رثة تنبيء بأنه لايقاوم سطوة البرد الشديد!!
ترنحَ الفنار جهة اليمين وجهة اليسار ،وكأنه (مجدوب في حضرة)
وصوت معلاقه الصديء المشبوك في مسمار معقوف للأعلى ،مع كل حركة ريح يترنح حتى كأنه قد سَكِرَ من كأس مُعتَق قد مضى على مُكثِها
زمناً طويلاً....
الفتيلة الذاوية والتي أرسلت ضوءها
الأصفر عبر سراديب الكوخ المنهك ،،، حاكت مافي نفسها من لغوب وتعب للبلورة الشاحبة !!!
تصاعد منها دخان صديء ورمادي مشوب بسوادٍ متقطع متهالك غازل سقفِ الكوخ (البراكة) زخات من المطر الخريفي البارد أطلقت وابلاً من البرد الذي بدوره أخرسَ وأطبقَ
بصمته المكفهر على حديث الخيالين الواقفين الواجمين في صمت مطبق؛ نقاش حاد ولكن يتخلله نظرات وادعة حزينة؛ وست عيون تراقب في صمت محكي!!
--وين نبي نرميهم أصغاري ؟!
نعطيهم لمن ؟!
لخوالهم اللي حتى الكسرة بخلوا علي بيها !
-- وسعي بالك ربي موجود.
--عارفه أنه ربي موجود لكن سامحني كان أناخطيت.....
--انتِ أختي والله ماني تاركك لهم اللي بي بك.
نشحت والله حتى نموت من الجوع
ماني تاركك
هنا سيطر الصمتُ والوجومُ على الأنحاءِ،انحدرت على خدها الرقيق دمعة حارة تسببت في اخاديد محزنة على وجنتيها،تحشرجت عبرة أبكتني حتى وانا لازلت صغيراً أحسستُ بكل ذلك الحزن الطاغي ...
إنها امي .بعد وفاة والدي الرحيم والذي كان لنا كل شيء في دنيانا الصغيرة،بعد وفاته أظهرت لنا الدنيا كل مافيها من جور وظلم !
فقانون القبيلة الزوجة المتوفى عنها بَعلُها تتزوج من اي رجل يختاره أهلها.ولكن ليست هنا الطامة، إنما الطامة اللاطمة هي تفريقنا عن أمنا
الرؤوم فنحن سيرموننا عند أهل ابي القساة ،وامي سيكون نصيبها زواجاً
غير ميمونٍ من اي كائن يريد الزواج
فالارملة التي لا تتزوج تعتبر في حكمالخارجة عن عرف القبيلة...
هذا ابي قد رحل إلى آخرته بسبب (داء الكبة ) القاتل
عزلوه في مرضه ولم يلبث حتى فارق الحياة ودفن في مقبرة مجاورة لنا فكنا كل يوم نراه في لحده يبتسم لنا حينما كنا نذهب للرعي؛ نحزن بكل مافينا من حياة وبؤس، خيالات لاتعرف شيئاً سوى أننا نطارد (حشاش الأرض من غرمبوش وخرشوف وذباح ) وبعض الجرابيع المختبئة في مجاحرها رحل عنا الحنان الجميل والدي......
عاد خالي الطيب (أسليم) لمحاورة امي
--انت اول امس دِرْتي فضيحة مايديرها حد !!
تضربي خوك بالفأس على رأسه !!
انت مجنونة وألا كيف؟ !
فيه واحد يضرب (خيه ) بها القسوة
بس الله سلم وانجي ......
--علي كيفه مايطعنش في-----
كل شيء بالغصب إلا قولة يافلان حبني .....
شهقت أمي بالبكاء حتى اختاي توقفت عن تناول (الزميتة)
وتسمرتا في مكانهما فاميلي اعرفها (شرسة جداً رغم وداعتها المفرطة
فخالي قد تهجم عليها بسلاطة لسانه ولكنه استحق مايريد
واجهته امي بكل عنفوانٍ
---انا توا نقولك شن يصير بعيد غياب القمر !!
----------------------------------
يتبع الجزء الثاني فيتوري العبيدي ليبيا
بقية رواية ((الرحيل))
الجزء الثاني
[إلى أين !؟؟] انتصب الخيالان تنافرا قليلاً ،احتدم النقاش بكل قوة حتى كادت [البراكة ] الكوخ أنْ ينتزعَ من مكانه ،صفقت بكلتا يديها واجهشت بالبكاء والحزن المشوب بكل جوارحها !
-- قلت لك مانيش قاعدة ومانيش متنازلة علي ضناىْ!!
عارف وإلا لا !
--انت شن تبي تديري !!؟
قلت لك وين مايطيح القمر الساع تعرف !
هدأ الجو قليلاً. كنت اكبر إخوتي بنيتي ضعيفة جداً واختاي نفس الحالة دائماً ماتشكوان من ضعف البدن وسعالهما الذي كان يقطع سكون الليل البهيم فتلجأُامي إلى
[اللبان المر ] لتهدئة روعهما
المهم أنني لم يكن في اي جهد ٍلمقاومة اي ظرف طارئ!
توسدتُ مخدة القش البالية !
وأنا اتابعُ امي وهي كيف تنافح [خالي اسليم الطيب ]
نقيقُ الضفادعِ في بركة الماء المحاذية للكوخ الخشبي المتهالك لم تنفك عن نقيقها والذي يشبه زغاريد العجائز في أفراح البادية ؛ وحكايا جدتي المتوفية عن ساحرات يقتحمن المقابر في دجى الليل المظلم ورقصهن الغير مبالي على قبور قد نُبِشتْ بكل براعة من أجل عمل سحر مكنون لسحرِ أحدهم
وشعورهن المنتصبة تحت جنح الليل واشعة القمر المنعكسة على رؤوسهن المائلة. وهمهمات ولغة مكبوته مخيفة ؛كانت تلقى في روعنا الرعب
حينما سمعت أمي تقول [وين ماطاح القمر الساع نقولك ]
دار في خلدي ان امي ستذهب للمقبرة القريبة والتي فيها قبر والدي
ومعها الفأس للتفجر راس إحداهن
وكم تخيلت ماهية المعركة وتطاير الدم هنا وهناك ؛ وصياح إحداهن تطلب الغوث من الاخريات!!
عرق يتصبب هنا وهناك ودماء مسكوبةٍعلى شواهد قبر ابي الطيب
وحنين الفأس في يد امي ومغازلته [لغوايش ]الفضة وجدائلها الجميلة كانت قد تضرجت بالدم القاني تحت أشعة القمر !!
احلامٌ صغيرة تجتاحني من حين لآخر ،أغمض عيني لعلي أرى حلماًأجمل من ذلك ؛حلماًيبعدنا عن [حلابات القمر ] وهذه الشمطاوات السابحات في بحر الشعوذة والسحر
احتدم النقاش بين[خالي وامي ]
وكم تمنيت أن يطولَ بقاء القمر حتى تكون امي بجانبنا وانفاسها الجميلة وهي تربتُ على كتفي لكي أنام وصوت [غوايشها ] يداعب خصلات اختاي الصغيرتين
اقسم لكم انها ماخلقت للضرب ولا للعراك إنما الحن الذي فيها [كان بمثابة الحن في الدنيا] كلها
تثاءب الفنار في آخر همساته الحزينة والكانون كان قد لفظ آخر نفس له ؛ذويت جميراته الصغيرة
واستحالت فيها الحياة !!
بالرغم من نومي إلا أنني كنت أرى خيال امي وخالي واقفين
او هكذا خُيلَ لي وسبحتُ في خيالات بعيدة متناهية في الصغر كأحلامي الصغيرة !
إنكفأالفنار ؛وإنطفأ الكانون الذي غازلني في ليلاي الشتاء الباردة رغم سحنته السوداء !
وغار النجم وغاب القمر !!
حركة غريبة في الكوخ طردت النوم الجميل من مقلتي الصغيرتين !
يد حانية توقظني بكل هدوء وقوةٍ معاً
تحركت مددت رجلي الحافيتين وحككتُ إحداها على الأخرى من أثر لسعة البراغيث المزعجة ؛اصابتني نوبة من التثاؤب البطيء ،استويت في مجلسي الدافيء فاءذا بها امي تلملم مابقي من شعث ذلك الكوخ في [صُررٍ] محكمة وتامرني بالنهوض
-- نوض ياابراهيم تأخر الليل هيا !
كنت اصوب نظري على الفأس واين هو؟وهل ستاخذه امي لقتل الساحرة !
دلَفَ خالي باب الكوخ بكل سرعة
وين علي ان شاء الله
--أمشرق !ماعدش فيه كلام !
---- يابنت الناس عارفه أيش معناه السفر إن كان نجيتي من العطش ماتنجي من الذياب !!
--ربي ماخلقنا ويتركنا!
اخذ خالي نفساًعميقاً !
وأيقظ الصغيرتين وامسك كلتيهما بيديه
وخرجت امي بكل عنفوان وامرتني بالخروج
وقالت لخالي : اربط فم الحمار حتى لاينتبه احدٌ لخروجنا !
--هيا [يارهومة ] وليدي انت هو الراجل !.اصابتني نوبة من القوة الخفية وبحثت عن الفأس !!
[[يتبع في الجزء الآخر من رواية الرحيل ،/فيتوري العبيدي البيضاء ليبيابقلمي /فيتوري العبيدي/ البيضاء ليبيا
الجزء الثالث من رواية الرحيل
[الدرب] ،،،،،،،،،،
هرولت مسرعاً ناحية الفأس المتكيء ناحية (الكوخ) المتهالك، لم تكن لدي فكرة عما يحدث سوى أنني قد أصبحت رجلاً شجاعاً،أمسكت بهراوة الفأس الصديء وخرجت ألتمس طريقاًفي ذلك المدلهم ،لم أرى عجوزاًولاقمر ينذرُبسقوطه على حافة الاديم المظلم ،تغيرت كل الملامح في لحظات ،والدتي ممسكة (بشكيمة ) الحمار والأختان تنظران بصمت وانا واقف وبيدي الفأس العتيقة ،سمعت أمي تقول لخالي (أسليم ) بالَكْ تمشي تجيب جمل الهمالي نرحلوا عليه ؟!
--- هيا اتكلي على الله (حمارك العرج ولاجمل ولد عمك )
أستوت امي على ظهر الحمار والبنتان امامها اما انا فآثرت المسير على اقدامي
نظرةٌ شزرُ من خالي لم اعهده بهذه الصرامة ، خالجتني قشعريرة داخلية لم أعهدهامن قبل وكأنني في حلم غريب ،مسافرون والصمتُ مهيمنٌ على الحضور ......
تحرك الركب الصامت والمسرع في خطواته لم يلتفت احدٌ اللهم إلا صوت أنفاس (الدابة) المتكرر ،سرعة لم نتعود عليها ،وكأننا في بداية حرب ضروس لاتنفك بصمتها البغيض حتى تحبس أنفاسنا،قطع بنا (شيهوب )المسافة بكل سلاسة أنظار المسافرين مصوبة ناحية الشرق!!
لمحت القمر الوديع في آخر وجبة له !!والنجمات بدت لي كالحة وتخوم القرية تراءت لي كأشباح تطل برؤوسها وتتحاور فيما بينها بصمت ؛أحسست بشيء يشدني للخلف ،نسمة وادعة خالجتني بكل ضراوة؛دغدغت في أحاسيس غريبة
وصوت (امي تقرأ الفاتحة )
--وبيديها الصغيرتين مسحت على وجهها الطيب !!
إلتفتت ناحية اليمين فاءذا قبر والدي يبتسم ويرفع لنا يده مودعاً
حينها عرفت مانحن مقبلين عليه .....
سفر طويل وبلا رجعة ! نسيت حكاية الفأس والجنية والعجائز الشمطاوات وكيف أنني سأحاربها
كما (يحارب دون كيشوت طواحين الهواء )
ايقظني من حلمي هذا صوت أمي تنادي )سيدي عبد السلام الاسمر ) والأولاد وهي تمسح بيدها على وجنتي الصغيرتين ،اسرعنا الخطا هناك ناحية المجهول. ،عواء الذئاب يقترب ثم يبتعد كنت أسمعه بوضوح ؛وصوت أقدام خالي الرؤوف يحث قدميه بكل مااوتي من قوة.
تراء لنا في ذلك المجهول كثبان عالية تتراقص في بلاهة منقطعة النظير ؛تتلوى كما يتلوى مجاديب الحضرة !!
الحمار لازال مُكَمَماًبقطعة قماش رداء أمي الأحمر. وحتى لايصدر صوت النهيق.....
(قاق قاق قاق قاق) ،ماهذا الصوت ياإلهي سألت امي عن ماهيته فقالت
(شلت الدجيجات معاي بيش مانجوعوش) !!
الهب خالي ظهر الحمار بعصاه الرقيقة محفزاً إياه على المضي قدماً صوب الشرق البعيد ِ!!
للزال الليل في منتصفه ،نقيق الضفادع المتقطع في عرسها السنوي
ونباحُ كلابِ القرية يأتي من بعيد بعيد !! في خضم هذه الدراما القاتلة والصامتة اخذني طيف من الرؤى البعيدة !
متى سنصل ومن سيستقبلنا فالكل قد شُغِلَ بنفسه فشيخ الشهداء قد أعدم ولم تبقى سوى جيوب صغيرة لمقاومة الاحتلال ،ناهيك عن حرب تلوح في الافق بين دول لانعرف اسماءها!
اقترب صوت الع العواء والذي ردده الهواءُ الباردُ عبر التلال البعيدة
--يارب ألطف يارب الطف !
كانت الفأس في برذعة الحمار في أكد جوانبه ناتيء بكل شموخ كنت قد دسسته في إحدى جوانب البرذعة !!
فكرة مجنونة ولكن. أتت بثمارها
نصيحة والدي دائما :
ماتسافر إلا أنت معاك الزاد. ،بنادم يسافر في وحديته مامعاه لافاس وقداحة ولا سلاح ولا عصا نعتبره (مهبول )
في هذه الأثناء اصاخ خالي بسمعه قليلاً واضعاًيده تحت صماخ أذنه ليقول :
أرجَوْافيه شيء معانا ويستر الله !!
وماهي إلا لحظات حتى كان !!
يتبع في الجزء الآخر من رواية )الرحيل ....
فيتوري العبيديبقية قصة الرحيل
الجزء [الرابع]
المهد /فيتوري العبيدي البيضاء /ليبيا
ملخص ماسبق /
اصاخ خالي اسليم السمع اصيب برعب شديد (يستر الله فيه معانا رفق !!
لازالت الدابة مُكمً فمها،تسارعت الخطى، نحو المجهول اللامتناهي!!!!
إدلهم الافق بسحنة باردة مظلمة ،القورُالمظلم يوازينا بسواده وكأنه خيالات من زمن دفين !!
حث[ اسليم ] الدابة لتسرع ودعوة امي [يارب ياسيدي عبدالسلام ]
يارب ياسيدي نجينا
من شدة جري الدابة كادت إحدى الصغيرتين ان تقع على الطريق الهش !
عواء الذئاب يقترب ويبتعد من رؤوس الشواهق الصخرية ؛تلك الجبال كانت تروى حولها الحكايات
الجن والمردة !!
يقال ان كهفاً قد حفرته الجنيات في بطن الجبل ،كانت تاوي إليه (الساحرات والجنيات الكافرت) لتعلم [حلابات القمر كيف يسحرن الرجال ، ويخطفنهم من زوجاتهم
أعمال سحر وشعوذة ؛ هذا ماحكته العجوز (برنية ) والتي كنت دائما اخاف منها وفي نفس الوقت كنت استمتع بكيفة حكايتها لتك الحكايات ، وتأليف القصص الغريبة ،مرة مرضت امي فأمرنا والدي بالذهاب لبيتها لتكون في مساعدة أمي ،حينما ذهب مع قافلة الحي للجنوب البعيد.
حقيقة استقبلتني بحفاوة مشوبةبصرامة لم تضحك يوماً ؛بعد مقتل ابنها جراء لغم ارضي أودى بزهرة عمره ؛من تلك اللحظة لم تبتسم أبداً!!! آلت على نفسها بكتاب هو كتاب الحزن المبين !!!
حينما أتيتها واخبرتها مسحت على رأسي وأعطتني كسرة خبز وقدح من لبن [الشكوة ] في باديء الأمر أصابني الخوف ان تكون إلى الجنيات ولكن مالبث ان تبدد خوفي امناً
كنك ياابراهيم خايف وألا شنو ؟
شعرت بأن العجوز قد قرأت مادار في فكري !!
فكانت في الليالي المدلهمة تحكي لنا حكايات كثيرة ] لا أعرف من أين تأتي بها وكأنها تتسلى برعب الآخرين ،بالإضافة انها قابلة ماهرة فهي من ولَّدتْ أمي في غياب أبي.،
ولما عاد انكب على يدها يقبلها وعلى راسها يقبله بكل حنو كانو الإبن لأمه .شاكراًإياها صنيعها الطيب .
في هذه الخيالات المتراصة والتي تتزاحم في خيالي، خطرت على بالي قصة [ابي زيد حين إلتقى بعفرية ]
في ظهر [الحلفا] في الشرق وكيف انها كانت في البداية امرأة جميلة معها [عنز] سوداء فطلبت منه ان يوصلها في طريقه فانصاع إليها بكل طيبة،على الرغم أنهم اخبروه (بماهيتها المرعبة ) إلا أنه ضرب بنصحهم عرض الحائط !!
فأعطته قدحاًمن لبن الشاة فشربه عن بكرة أبيه ،واردفها خلفه ،فكان يشم رائحة المسك جيبها وأنفاسها الحرى المغرية!!
وفي لحظة حانت منه إلتفاتة خاطفة ؛اصيب برعبٍ شديد إطار عقله حتى أنه لم يدرِ مايفعله
المنظر مرعب وكئيب فتلك الشقراء تحولت إلى وحش بغيض الأسنان تعلو جبهتها والأسنان السفلية في ذقنها ورائحة مقرفة وريش متناثر منتصب وابتسامة مقرفة اما العيون السود والتي كانت تقتل بأهدابها فاستحالت إلى عيون ]عنقاء ماقبل التاريخ ]
لم ينبس ببنت شفه حتى أن الناقة قد اضطربت في مسيرها ودارت حول نفسها ،لأن الابل مخلوقة من الجن هذا ماقالته عمتي ]برنية ]
لم يتكلم فهذا[ أبوزيد] قاهر الزناتية يصاب بهذا الرعب
ساد الصمت البغيض برهة
اللهم إلا بيتاً من الشِعرِ كانت تتناقله الناس في مجاميعهم :
[ياطيراً وحيش وفيك ريش
سبحان من قال بوزيد بعدك
يريد يعيش ]
في هذا الموقف الغير مألوف تطير هامات الفوارس والشجعان لأن مابعد شرب قدح اللبن يصاب الرجل بعدها بفترة وجبن وانصياع لا حد له
أخبر [بوزيد ] رفيقته البغيضة أنه يريد أن[ يحش حلفاء ]
فقالت :حتى انا ]نبي نحش حلفاء ]
ففتل أبوزيد الحلفاء لتصبح حبلاً متينا
وهناك مثل قديم يقول :اللي [مايعرف الحلفا حبال ياضناي ]
(كناية على عدم معرفة عدوك فقد يكون ضرره بالغ لك !!)
ربط بوزيد الحلفاء على جسمه وأخبر[مبغضته أنه يريد حرق نفسه
فربطت هي أيضاً الحلفاء بكل مااوتيت من قوة واشارت انها تريد حرق نفسها !!!
قرب [بوزيد] الزناد وحك طرفيه لتشتعل اول جمرة ملتهبة في أطراف الحلفاء اليابس
أبتدا بنفسه ثم [بحلفاء] رفيقته اللعينة !!
التهبت النار وتطاير الشرر منهما
[طرشقة] الحطب اليابس أصدر ناراًعظيمة !!
امسك [بوزيد ] طرف حبله الذي لم يكن مربوطاً بقوة ورماه على الجنية فاحترقت بالكامل وماتت بغيضها
فكم قتلت من برىء وضعيف
وارتجز مثلاً.صار يقال في مجمع
[اللي جرجاره حلفاء مايلعب بالنار]
حينما استعرضت هذه القصة في مخيلتي حتى أصبت بدم الشجاعة ينطلق في كل انحاء جسدي الضعيف وتخيلت أنني في عذا الموقف سأكون [أبازيد ] الشجاع
نرجع لمرافقنا الخفي والذي ألهب مشاعرنا برعب لم نعرفه من قبل ولا حتى في حكايات [عمتي برنية ]
اقترب الصوت الأجش شيئاً فشيئاً
وعواء الضواري يلتهم سكون الليل البهيم !!
خطوات حذرة اللهم إلا حركة خفق أقدام مجهولة الهوية،الغريب لم اسمع عواءً لذئبٍ او [تهريمة ضاري]
او طقطقة أنياب ضبع من ضباع الليل المرعب ]
أمرنا خالي بالصمت [ دس يده في [حزامه المربوط بعناية واخرج [مسدسه] سحب اول طلقة ،باتت في بيت النار !
تأخرقليلاً !!
حثت امي المسكينة [الركوبة] للاسراع!!!
هنيهة كأنها ساعات وهذا الشيء المجهول يقفز على ظهر الدابة بكل قوة عندها كانت الرصاصة موجهة لراسه الكبيرة
حينها صرختُ بكل قوتي :
وقف ياخالي،وقف ياخالي
البقية في الجزء الخامس من رواية [الرحيل ]
فيتوري العبيدي البيضاء ليبياالجزء الخامس
من رواية (الرحيل )
(المهد) /فيتوري العبيدي ليبيا
تلخيص مما سبق
وقف ياخالي ،وقف ياخالي ///////
ادلهم كالح الليل ،واظلمت بكل مافيها، ذلك الشيء السريع والهابط من الأعالي ،نزل بكل قوة على ظهر الدابة، والغريب أنه لم يمس المترادفين على ظهر (الأتان ) كانت يد [أسليم ] أسرع مما يكن ،اليد والاصابع على. الزناد والعيون مصوبة على ذلك (الغامض ) المهيب !!
يداه كالمخالب الناتئة والمعقوفة للداخل !! ،اما الفم فَفُتح على مصراعيه، وانفاسه كانت تخرج بخاراًكثيفاً ،برهة وتحرك ذلك الوحش القادم من مجاهيل التاريخ
[وقف ياخالي ،وقف ياخالي ] .......
كلمات وقفت في حلق (ابراهيم ) تسمر الجميع كلٌ في مكانه القفزة الأخيرة إلتف الجسد بكليته وتوارى بجانبِ الدابة ،وبسرعة البرق انسحب من تحت قدمي الدابة ،ليلعق قدمي (الطفل ) بكل سرور ،وكأنه صديق قديم ، ابتسم [أسليم ] عرفه اخيراً [الكلب المقطوش] سليل الذئاب لاينبح كثيراً إنما يقتنص فريسته من الضباع والذئاب بكل شراسة رغم مابينه وبين الذئاب من أخوة
في ساعات العصر يرتقي على ظهر (الدابة) ليستطلع الجوار بكل قوة ملاحظة !!!
كنت سارحاًمع الأغنام فرايته يصعد على برذعة الحمار ويقوم بعواء مابين النباح ومابين العواء تزلزلت له [الحطايا] وفي نفس الوقت سمعت عواءًمن بعيد ،عندها ركض بسرعة البرق واتجه ناحية القور البعيدة
(مرت علينا العجوز برنية ) وقالت ياابراهيم رد بالك من المقطوش راه يدور على جنسه ) لم أعرف كْنهْهذه الكلمة اخيراًتبين لي ذلك حين عَدْوِهِ ناحية التلال المجاورة،زمجرة ونباح مختلط بعواء ، قادني فضولي للبحث ذهبت وأنا خائف مما سأجد !!!
وجدت ذئباً مضرجاً بدمائه، وذئبة أخرى عجوز اشيب الوجه مقطوعة الحنجرة ؛تتحرك بحركة المقبل على وداع هذا العالم ،وشاهدت[المقطوش ] يحوم حولها بكل حزن وهو يَعْوِي ،تارة يبحث التراب من تحتها،وتارة يلعقها بلسانه المنهك ،وتارة يحركها بمخلبه الناتيء ......
هنا عرفت لما كان المقطوش ينسحب كل ليلة في أواخر الليل ناحية التخوم المظلمة ....
إنها امه التي ربته،فهو [هجين مابين الكلاب والذئاب ] وواقع الافتراس عنده صعب جداً الناب عنده ناب ذئب اما شراسة القتل فهي (حدث ولاحرج ) ....
ابتسم [اسليم ] وقال الحمد لله الذي كان [المقطوش ] ولم تكن ام المقكوش ولا إخوانه لكنا في خبر كان ....
جارنا الهمالي افترس الذئب شاتين؛بقر بطونهما بكل وحشية، في الصباح إهتز الحي بالهرج والمرج ، فقامت القيامة على أن المقطوش هو من فعل ذلك !!! وصرح الجيران بأن المقطوش يجب أن يُْقْتل أو ينفى من الحي كاملاً .......
سادتي الفوضى والكلام الغير لائق
واحد يزيد وواحد ينقص في حججه ،تكلم احد الرجال قائلا :
اسمعوا ياميعاد الخير، يقولوا [مامن اللي في بطن الذيب وبطن الذيب خاليه ] ......
تملكني غضب وحنق شديد ،خرج الجمع الحاقد والغير مبالي ناحية الكوخ الصغير يحملون الهراوات والعصي غير آبهين ،وجهتهم [المقطوش ] يريدون الفتك به ،وفجأة عكازٌ يطير في الهواء:ارجعوا لاورا ؛ماحد يقدم !!!
كانت العجوز [برنية] صاحبة الحل في ذلك اليوم.....
أشارت عليهم أن اامقطوش لايعض يداً اطعمته ،فاءحدى الشاتين كانت قد [رامت ] الممطوش] في صغره ،فهو ليس كالبعض الخائن،فكانت تشير للبعض المتهاون إبان [الاحتلال ] ممن قدم إخوانه قرباناُ وكانت تقصد بذلك[السحار بالعيد ،صاحب سابقة التجسس لصالح المحتل في زمن قديم مضى) وارى الرجل وجهه بين الرجال لانه صاحب المثل [مامن اللي في بطن الذيب وبطن الذيب خاليه ]
قالت لهم بأن يبحثوا عن أي نقطة دم في فم [المقطوش ] فإن وجدوا شيئاًفهو مدان ،وإن لم يجدوا شيئاً
فكما يقولون[غَضِبَ اللهُ ع الشيطان ]
********____________********** التتمة في الجزء السادس إن شاء الله تعالي