هَمسٌ في أذنِ الرِّيح
........................................
وَقَفتُ على أطلَالِ مَجدٍ مُغَيَّبِ
و نحتُ من الأعمَاقِ أبكِي حِمَى الَابِ
تَذَكَّرتُ من عَزُّوا فَعَزَّت دِيَارُهُم
تَفَاخَرَ فِيهِم كُلُّ سيفٍ مُقَضَّبِ
مُلُوكَاً تَرَامَى مُلكُهُم جَاوَزَ المَدَى
و خَلَّدَهُم سَطرُ الكِتَابِ المُذَهَّبِ
و من جَاءَ غَازٍ باتَ في رَمسِ مُظلِمٍ
و لم يَقضِ وَطرَاً أو يُدَانِ لِمَارَبِ
اذَاقُوا بَنِي (الرُّومَان) ذُلَّاً و خِزيَةً
و أرعبَ فُرسَاً وَجهُ ليثٍ مُقَطَّبِ
ب(إفرِيقِيَا) آثَارُ مُلكٍ و دَولَةٍ
اشَادَهُمَا اربَابُ مُلكٍ مُرَتَّبِ
و من مَشرِقٍ للغَربِ مَدَّ جُسُورَهُ
غَشَى (سَبَاٌ) بَحرَاً بِطَودٍ و مَركَبِ
كَنَسرٍ جَنَاحَاهُ بِجَوٍّ تَمَدَّدَا
اظَلَّا على بَحرٍ و بَرٍّ مُرَكَّبِ
و غَطَّى دِيَارَ العُربِ و الحَبْشِ مُلكُةُ
و عَطَّرَهُ ذِكرُ الكِتَابِ المُطَيَّبِ
و في مَشرقٍ أو مَغربٍ صَالَ خِيلُهُم
لِتَبلِيغِ إسلَامٍ و نَشرِ هُدَى النَّبِي
جِيُوشٌ بِبَاسٍ حِيثمَا صُوِّبَت غَزَت
و إن دَهَمَت مثل الشِّهَابِ المُذَنَّبِ
و قَارَنتُ ما صِرنَا و كَانَت جُدُودنا
فَتِيتَ سُعُوفٍ قُرب قَصرٍ مُهَذَّبِ
كمثلِ الثُّرَيَّا حين عَالَت عَنِ الثَّرَى
و مِشكَاةِ عِلمٍ و جَهُولٍ مُهَنَّبِ
و من بعد عِزٍّ إرتَضِينَا بِذِلَّةٍ
اضَعنَا لِاوطَانِ العزِيزِ (المُكَرَّبِ)
و حَاضِرُنَا يَبكِي عَلِينَا تَحَسُّرَاً
و يَسكُبُ دَمعَاً بالدِّمَاءِ مُخَضَّبِ
دعوتُ و بَحَّ الصُّوتُ و القومُ ما وعوا
و لم يُنصِتُوا و القَلبُ بِالنَّارِ يكتَبِي
و حَذَّرتُ قَومِي و الرَّحَى تَطحِنُ الحَشَا
فما سَمِعُوا نُصحَ الصَّدُوقِ المُجَرَّبِ
و قُلتُ اعقِدُوا حَبلَاً مَتِينَاً وَلَاءَكُم
و لا تَستَغِرُوا بالدَّمِيمِ المُنَقَّبِ
و وَالُوا لِرَبٍّ فَاطِرٍ ثُمَّ مَوطِنٍ
و ليس لِدَجَّالٍ و حِزبٍ و مَذهَبِ
الم تعلموا انَّ الاعَادِي تَكَالَبَت
تَدَاعَت عَلِينَا مثل وَحشٍ بِمَخلَبِ
يُريدُونَ تَمزِيقَاً لِجِسمٍ مُمَزَّقٍ
لِنَهبِ نَفِيسٍ أو رَغِيدٍ مُرَطَّبِ
لِنَحيَا كَمَوتَى فى صِرَاعٍ و جَلبَةٍ
بِاسوَاِ حَالٍ من فَقِيرٍ مُعَطَّبِ
فلا تَستَلِذُّوا الشَّهدَ من كَفِّ غَادِرٍ
فإنَّ زُؤامَ السُّمِّ في الشَّهدِ يَختَبِي
و كم قُلتُ يا ابنَاءَ (سَيفٍ) تَعَقَّلُوا
و لَا تَجعَلُوا الاوطَانَ نَفلَاً لِاجنَبِي
اتَوا يَبذِرُونَ الشَّرَ في خَصبِ ارضِكُم
لِيُثمِرَ شَوكَاً في تُرَابٍ مُخَصَّبِ
و يُدمِي و لا يُبقِي على الأرضِ سَالِمَاً
و يُوغِلُ في نخرِ الجُسِيمِ المُحَدَّبِ
و من بعد امنٍ يَغتَشِي الدَّارَ خَوفُهَا
و يَملَاُ نَفسَاً خَسفُ رُعبٍ مُسَرَّبِ
و يَشرونَ من بَاعُوا لَعِينَاً ذِمَامَهُم
فَلَا تُصبِحُوا مثل الكُرَاتِ بِمَلعبِ
ارَادُوا بأن نَغدُوا دُمَاً أو بَيَادِقَاً
نِعَالَاً لركلٍ او كُرَاتٍ لِمَضرَبِ
اتَرضَى بأن تُضحِي سِلَاحَاً لِغَاصِبٍ
و تَسفِكُ دَمَّاً لِلقَرِيبِ المُقَرَّبِ
و هل يُسلِمُ النَّخَاسَ حُرٌّ عُنِيقَهُ
لِيُكسَى بِذُلٍّ ثوبَ رِقٍّ مُقَصَّبِ
ارَى فِتنَةً نَرنُو من اللحدِ خِلسَةً
تَلَظَّت بِنَارٍ كالجَحِيمِ المُلَّهَبِ
الَا فَاوئدُوهَا طِفلَةً في مِهَادِهَا
و لا تُوقِظُوهَا من مَنَامٍ فَتَرتَبِي
فما انصَتَ الحَمقَى فَشَبُّوا و اجَّجُوا
لِتُشعَلَ نارٌ في خَضِيرٍ و مِحطَبِ
و ما رَاعَهُم و الدَّارُ اضحَت حَطِيمَةً
و حالُ بَنِيهَا كَالفَخَارِ المُخَرَّبِ
هَمَستُ بِاُذنِ الرِّيحِ في ظُلمَةِ الدُّجَى
ابُثُّ لها شَكوَى القُلِيبِ المُغَلَّبِ
و هل اُسمِعَت رِيحٌ هَسِيسَاً لِوَاهِنٍ
بِصَاخِبِ عَصفٍ في الفَراغِ المُنَضَّبِ
و لَكِنَّ من أعيَاهُ إسمَاعُ غَافِلٍ
غَدَا كَضَلِيلٍ في طَرِيقٍ مُشَعَّبِ
و مَوجَاتُ رِيحٍ كم غَشَت اذنَ اطرَشٍ
فَحَمَّلتُهَا غُمَّاتِ شَعبٍ مُعَذَّبِ
عَسَى أنَّ رِيحَاً او ضَجِيجَاً مُصَاحِبَاً
يُوَصِّلُ انَّاتِ الفؤادِ المُثَقَّبِ
د. سعيد العزعزي